ساهمت سجون المملكة في تقويم سلوكيات السجناء ومنحهم فرصة ثانية لتعديل حياتهم، ليس بالعقوبة فقط بل بالبرامج والفعاليات التي أقيمت داخلها، وكذلك المميزات والحوافز التشجيعية، بالإضافة إلى نجاح المختصين بالتعمق داخل تفكير السجين وإقناعة بالطريق الصحيح وتوجيهه إليه. وتواصل السجون بتوجيهات القيادة الرشيدة مجهوداتها لأن تكون "دور إصلاح وتهذيب"، لتأهيل السجناء نفسياً واجتماعياً ومهنياً وأخلاقياً طوال فترة محكوميتهم، وخير تجربة على ذلك "إصلاحية الدمام"، والتي تعمقنا داخلها وأستمعنا إلى ردود فعل السجناء الذين أكدوا على أنهم استفادوا كثيراً من البرامج المقدمة، والتي ستساعدهم بلاشك في تجاوز معاناتهم بالبعد عن أهلهم وذويهم. فاتحة الخير في البداية يقول "أبو عبد الله" -نزيل بالإصلاحية ومتهم بحيازة وترويج المخدرات-: كنت في ضياع تام ومرافق دائماً لأصحاب السوء، وكنت بعيداً عن الله سبحانه وتعالى، بل ومقصر في الصلاة، مضيفاً: "عندما أردت العودة والتوبة يتغير المسار بسبب أصدقاء السوء، حيث كانوا يزينون لي جلساتهم ويرغبونني فيها"، مشيراً إلى أن دخوله للإصلاحية كان فاتحة خير وصلاح، وأنه فعلاً يريد التغيير من نفسه حتى يصبح عضواً نافعاً لأهله ووطنه، واصفاً البرامج التي يتلقاها داخل الإصلاحية بأنه من أهم البرامج التي يفتقدها العديد من الناس والذين هم خارج أسوار السجن، ومن أهمها حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية والمحافظة على صلاة الجماعة، وهذه والله مصدر السعادة الحقيقية. تجربة فضولية وأما "أبو صالحة" فتم القبض عليه بتهمة ترويج المخدرات ومحكوم بثلاث سنوات، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، يقول: ضعف "الوازع الديني" دفعني إلى سلوك طريق الموت بترويج المخدرات، مضيفاً أن أحد الإخوة الصالحين في السجن رغّبه بأن يكون في عنبر التائبين، ومن باب الفضول انتقل إلى هذا العنبر، وقد استطاع هناك ترك التدخين، وأصبح مواظباً على الصلاة، لافتاً إلى أنه استفاد من البرامج الدينية وغيرها، والآن يحفظ جزءين من القرآن الكريم بفضل الله ثم بدعم ومساعدة من القائمين على الإصلاحية، ذاكراً أن فرحة عارمة اجتاحت منزل أسرته بسبب توبته وتغير مساره إلى الطريق الصحيح. أحد النزلاء يتحدث للزميل الغامدي عن برنامج الحاسب الآلي «عدسة: زكريا العليوي» هذّب سلوكه وتحكي "أم محمد" حال ابنها وهو سجين حالياً في سجون الدمام فتقول: كان فيه الكثير من العقوق لوالديه ونكران الجميل، الأمر الذي جعله يسلك طريق الانحراف في ترويج المخدرات، مضيفةً أنه بعد سجنه ساهمت البرامج والفعاليات وغيرها في تهذيب سلوكه، بل وأعادته إلى طريق الصواب، مشيرةً إلى أنها لو كانت تعلم بأن السجن سوف يعيد لها "فلذة كبدها" إنسان صالح لنفسه ومجتمعه، لتمنت دخوله السجن من أول "زلة" أقدم عليها. أعدت حساباتي ويتحدث "أبو مترك" -أحد السجناء داخل الاصلاحية وله ثلاثة شهور موقوف- قائلاً: أنا نادم أشد الندم، حيث كنت تائهاً في حياتي ولم أفق من الضياع الذي كنت فيه سوى بعد أن وجدت نفسي خلف قضبان السجون، ومن هنا بدأت أعيد حساباتي الماضية، مضيفاً: "لن تصدقوا حينما أقول لكم بأني في السجن أحس بأني بين أهلي، حيث أجد المعاملة الجيدة، وأن ما يوجد هنا ما هو إلا عبارة عن تقويم للسلوك بطرق جميلة ومحببة للنفس، من خلال برامج مفيدة، ومنها ما كنا غافلين عنه سنين وهو حفظ القرآن الكريم، وبرامج أخرى هادفة ترفيهية وثقافية ورياضية". أعادت تأهيل «المُحطمين نفسياً» ليس ب «العقوبة»ولكن ب«البرامج» و«الفعاليات» و «الحوافز التشجيعية» إنسان له قيمته ويوضح "أبو عبدالله" -أحد السجناء الذين انتقلوا إلى عنبر التائبين- أنه سمع كثيراً عن هذا العنبر والبرامج التي يتلقاها النزلاء داخله، بالإضافة إلى دور المختصين في مساعدة الشخص بأن يكون إنساناً له قيمته في مجتمعه وبين أهله، مضيفاً أنه فكر جلياًّ في الانتحار؛ كي يتخلص من كراهية المجتمع له، بعد أن أصبح في نظرهم "جليس سوء"، لافتاً إلى أنه بفضل من الله تم نقله إلى العنبر استفاد من البرامج والمميزات، إلى جانب الجلوس مع المشايخ والدعاة، كل ذلك شجعه ورفع من معنوياته كثيراً. ليس مجرماً ويقول "أبو تركي" -متهم-: إن البرامج المقدمة بشكل عام داخل الإصلاحية ليس لها مثيل، ومنها حفظ القرآن الكريم وتعلم الحاسب الآلي، بالإضافة إلى الدخول في دورات المعهد المهني، الأمر الذي يجبر السجين بشكل تلقائي بأن يصبح شخص آخر بعيداً عن الانحراف، وتأهيله للخروج للمجتمع عضواً نافعاً وفعّالاً، مضيفاً: "هناك البعض من السجناء لا يتجاوبون مع هذه البرامج، وذلك يعود لضعف الوازع الديني لديهم والبعد عن الله، أضف إلى ذلك الالتفاف حول الشلل الفاسدة التي تحث على الإنحراف"، موجهاً رسالة إلى المجتمع بأنه ليس كل من دخل السجن يعتبر مجرماً، حيث أن هناك أخطاء بسيطة ممكن أن يدخل الشخص السجن بسببها. بعض البرامج الترفيهية داخل السجن تنسيق وتعاون وأوضح اللواء "د.علي الحارثي" -مدير عام السجون بالمملكة- أن هناك تعاوناً وتنسيقاً مع اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم "تراحم" وفروعها بمختلف مناطق المملكة، بحكم أن هناك دوراً تكاملياً لخدمة نزلاء السجون والمفرج عنهم وأسرهم، حيث تعمل السجون خلال فترة قضاء محكومية النزيل على رعايته وتأهيله بالوسائل الممكنة والمتاحة، وبما يتوافق مع إمكاناته وقدرته على العمل، لإعادته إلى مجتمعه عضوًا صالحاً، مبيناً أنه خلال ذلك وفي نفس المسار تعمل اللجنة على رعاية أسرة السجين ومساعدتها، لاحتواء ولي أمرها أو ابنها بعد خروجه، بالإضافة إلى بذل الأسباب الممكنة لإعادة تكيفه في مجتمعه، والبحث له عن فرصة عمل تشعره بقيمته وأهميته، وتساهم في القضاء على أوقات فراغه وحمايته، مشدداً على أهمية التعاون مع المؤسسات المجتمعية المعنية، وتقبل أفراد المجتمع لهم بهدف اندماجهم في أحضان مجتمعهم ووطنهم. إعادة تأهيل وأكد على أن السجون والإصلاحيات لدينا تعمل جاهدة حسب الإمكانات المتاحة بكل سجن أو إصلاحية، لتقديم ما يمكن تقديمه من برامج ومناشط مختلفة لتشمل جميع فئات النزلاء كلما كان ذلك ممكناً، من خلال البحث والدراسة والمتابعة لتشخيص وتقييم حالاتهم، وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم، وكذلك وضع البرامج العلاجية والوقائية والمناشط الثقافية والدينية، إلى جانب الرياضية والمهنية وخلافها، والتي تتوافق مع ظروف كل حالة وإمكاناتها، وبما يساعد على تكيفهم وإعادة تأهيلهم أعضاء صالحين في مجتمعهم، مشيراً إلى أن المسألة في هذا الإطار لا تخضع لإحصائية محدودة بحكم حركة الدخول والخروج المستمر. عضواً نافعاً وذكر العميد "عبد الله البوشي" -مدير الإدارة العامة للسجون بالمنطقة الشرقية- أن السجون لديها العديد من البرامج الهادفة، والتي تهدف من خلالها أن يخرج السجين وقد تعدل سلوكه وتحصن ضد المبادئ السيئة والخلق غير السوي، ليخرج عضواً نافعاً لدينه ووطنه ونفسه وأسرته، مضيفاً أن هناك تعاوناً مع الشؤون الصحية ومستشفى قوى الأمن والقطاع الخاص، إلى جانب المستشفيات والمراكز الطبية، لتقديم البرامج والدعم الطبي والنفسي لنزلاء الإصلاحيات بالشرقية، فهناك عيادات وأطباء نفسيون يمارسون أعمالهم في الإصلاحيات، وآخرون من الأطباء يقومون بزيارات مستمرة للعلاج، مؤكداً على أن هناك توسعاً ل"دائرة البذل والخير"، بالاتجاه نحو الإصلاحيات من قبل أهل الخير والإحسان، في تقديم مساعدات تساهم في خدمة السجناء عبر اللجنة الوطنية لرعاية السجناء، وادراج العديد من الخدمات والبرامج التي قد تساهم في تحقيق الأهداف المرجوة بشكل أفضل، من خلال العديد من الورش المزودة بالآليات الحديثة، إلى جانب تقديم العديد من الدورات في الحاسب وغير ذلك من المهن المتنوعة. سجين يتصفح كتاباً في مكتبة الإصلاحية مصانع ومراكز وأضاف: أن العديد من الإصلاحيات وبدعم من الدولة والقطاع الخاص، ساهمت في تقديم العديد من البرامج والدروس والمحاضرات التوعوية والفقهية والدعوية، وأقامت بعض المصانع داخلها وكذلك المركز التعليمية، مشيداً بدور اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والقطاعات الحكومية، كالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وفرع ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالشرقية، وفرع ووزارة العمل والقطاع الخاص والجمعيات الخيرية في شتى المجالات. عقوبة وإصلاح وقال العقيد "عقيل العقيل" -مدير إصلاحية الدمام-: إن السجن أصبح مسماه "إصلاحية" وهي من كلمة "الإصلاح"، مضيفاً أنه بتوجيهات من الدولة وباهتمام من القيادة الرشيدة التي تحث على أنه يجب تطوير السجين حتى يصبح فرداً نافعاً لنفسه ومجتمعه، حيث الإنسان يخطأ وعند الخطأ يتوجب العقاب، ولكن "الفن" يكمن في كيفية استغلال فترة العقوبة وتحويلها من عقوبة إلى إصلاح، وتأهيل واكتساب العديد من الدورات المهنية والفنية وقبلها حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، ذاكراً أنه عندما يحال السجين من الجهات المختصة إلى الإصلاحية، يتم استقباله ويؤخذ عليه الفحوصات الطبية اللازمة، حتى يتأكد من وضعه الصحي، وبعد هذه الإجراءات يتم وضعه على حسب القضية التي أُدين فيها، وكذلك عمره، لتوجيهه إلى العنبر المناسب. شهادة دراسية وأوضح أنه بعد ذلك تتم مقابلة السجين من قبل الباحث الاجتماعي ودراسة حالته إن كان متزوجاً أو أعزباً أو يعول أسرة، لنتمكن من مساعدته ومخاطبة الجهات الخيرية لتعيل أسرته، إن كان هو العائل الوحيد لهم، مبيناً أنه بعد ذلك يتم ترغيب السجين بأن يلتحق بالمدرسة، حيث يوجد "محو أمية" و"مدرسة ابتدائية ليلية"، و"مدرسة متوسطة وثانوية"، وذلك حتى يتمكن السجين من أخذ شهادة دراسية تنفعه بعد انقضاء فترة العقوبة، مشيراً إلى أنه يوجد لدينا في إصلاحية الدمام مركز تدريب مهني متكامل، فيه عدد من الورش يتم ترغيب السجناء بالالتحاق فيها، حتى يكتسبوا خبرة بأحد هذه المهن المتاحة، ذاكراً أن جميع الشهادات التي تعطى للسجين سواء كانت من وزارة التربية والتعليم أو من المؤسسة العامة للتدريب المهني لا يذكر بها أنه سجين. اللواء د.علي الحارثي حفظ القرآن وأضاف أن مكرمة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بأن من يحفظ القرآن الكريم كاملاً تسقط عنه نصف المدة، هي أيضاً أحد الحوافز التي تغير من نمط ومن سلوك السجين، حيث أنه عند البدء في حفظ القرآن الكريم، يغلب الطابع القرآني على السجين، وبذلك يتغير سلوكه إلى الأفضل بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل توجيهات حكومتنا الرشيدة. حالة الإنكسار وقال "عصام عبد الرزاق سندي" -الأخصائي الاجتماعي بشعبة إصلاحية الدمام-: إن السجين حال قدومه إلى الإصلاحية يكون في حالة انكسار، بل ويشعر أنه شخص قد انتهى داخلياً، فيصبح متجاوباً مع الباحث الاجتماعي، حيث يسهل عملية الإصلاح التي تحتاج إلى جهد أكبر؛ لصعوبة الموقف، حيث أن السجين يكون متعمقاً في الطريق الخطأ، وهذا يرجع إلى بُعد السجين عن دينه، مضيفاً أنه أُسند هذه المهمة إلى قسم التوجيه والإرشاد، حيث أن لهم دوراً كبيراً في إصلاح السجناء وأنهم يتجاوبون معهم بطريقة ممتازة، مبيناً أن دور الباحث الاجتماعي يكمن في متابعة أسر السجناء من رعاية وتوفير متطلباتهم، حيث أن الدولة توفر كل احتياجاتهم من دفع إيجارات أو فواتير ماء أو كهرباء، أو "كوبونات" أسرية تصرف للعائلة، وهذه المساعدة تشمل جميع السجناء سواء كانوا مواطنين أو أجانب، ولكن في المقام الأول تكون للسجين المتزوج أو الذي يعول أسرة، مشيراً إلى أنه لابد على المجتمع من إعطاء فرصة أخرى للسجين، حتى يتمكن من العيش بطريقة صحيحة ولا يعود لسابق عهده، وتكون من قبل أسرته ثم المجتمع. برامج تحفيزية وذكر الشيخ "سعيد العيسى" -رئيس قسم الإرشاد والتوجيه في إصلاحية الدمام- أن السجون في الفترة الأخيرة أصبحت أفضل بكثير من عهدها السابق، حيث أن السجين أصبح يعي خطر المخدرات والسرقات وخلافه؛ لأنه في السابق على سبيل المثال يأتي الشخص بتهمة سرقة جوال أو أي تهمة أخرى، ويخرج وهو متمرس في ترويج المخدرات، أما الآن أصبح السجين يعلم خطورة هذه الأمور، وذلك يأتي بالمناصحة في المقام الأول، ثم توضيح مخاطر المخدرات والسرقة وغيرها، مبيناً أن الآلية التي تجعل أكثر الشباب يتوجهون إلى عنبر التائبين أو العنبر المثالي، بأن فكرة العنبر المثالي انبثقت من الغرفة المثالية، وهي الغرف التي كان يوجد بها مؤذن وإمام وسجناء ملتزمون يرغبون بالتغيير، لذلك أوجدنا لهم بيئة تهيئ لهم ذلك تحت مسمى العنبر المثالي أو عنبر التائبين، مشيراً إلى أنه يوجد لهم برامج مميزة لتحفيز باقي السجناء على المسارعة في الانتقال إلى أحد العنبرين. مراكز صيفية وأضاف: توجد في إصلاحية الدمام برامج على مدار العام من مراكز صيفية وغيرها للترفيه والتغيير على السجناء، وحتى يقضي وقت الفراغ بشيء مفيد يعود بالنفع على السجين، ذاكراً أن لديهم داخل الإصلاحية برامج تثقيفية بالتعاون مع العديد من الجهات، مثل إدارة مكافحة المخدرات، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجمعية مكافحة التدخين، من خلال معارض ومحاضرات تقام داخل الإصلاحية. العميد عبدالله البوشي العقيد عبدالرحمن العقيل الشيخ سعيد العيسى عصام سندي