إن قيمة التبرع تكمن في قيمة ما يذهب إليه. وأن تقوم تبرعاتك على بناء مشروعات خيرية تلمس أثرها بنفسك مثل مستشفى 57357 لعلاج مرضى السرطان بالمجان الذي قام المصريون في داخل مصر وخارجها بالتبرع لإنشائه، وهدفه علاج مئات المرضى من أطفال مصر والأطفال من خارجها مجاناً، أو تمويل مشروع كمؤسسة الدكتور مجدي يعقوب للقلب لعلاج مرضى القلب بالمجان. أو الإسهام في بناء صرح علمي كمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا من أجل مستقبل علمي مشرق يهدف إلى بناء نهضة مصر الحديثة، فأنت هنا تصدق بأن ما تقدمه من صدقة جارية يذهب لمكانه الصحيح. في مصر قامت تلك المشروعات رغم كل ما يدور على أرضها من مصاعب سياسية ومحن وفقر. تلك هي مشروعات الصدقات التي لا يمكن أن نقارنها بصدقات الرسائل الهاتفية التي تدعوك للتبرع لمرضى الفشل الكلوي أو مرضى الكبد أو غيره وأنت كمتبرع لا تعلم من يقوم على توزيع تلك التبرعات لمستحقيها. فالتبرع المشابه لتلك المشروعات الخيرية في مصر يتعدى كونه صدقة جارية، لأنه مشروع فرد استفاد بعلمه وأقر بواجبه في نقله للآخرين دون أن يرهق نفسه بوضع ميزانيات ضخمة تعيق تقدمه، فأضافت لحسناته ومنحت وطنه الصدارة في ربط الحلم بواقع احتياجات الناس، في وقت قد يجد فيه الفرد ألف عذر للتصرف بأنانية والنظر لمصالحه الشخصية فقط. وإن كنا نتمنى أن ترتبط صدقاتنا في هذا الوطن بمشروعات تخدم شريحة نعلم بأنها موجودة وفي حاجة لمن يحمل عنها مشقة تكاليف العلاج أو منحها فرصة للعيش المتحضر من خلال نهضة علمية، فنحن نضع بصمة ترفعنا من حلبة المتسكعين على أبواب الآمال إلى فاعلين. ولا أعتقد أن وطننا يخلو من العقول المبدعة الناجحة التي بإمكانها أن تتبنى مشروعات كتلك. فالواقع أن الوقت يمضي وعيوننا مازالت معلقة في آمال بات الاحتفاظ بها داخلنا نوعاً من المرض. فلن تُشفى أزمة المساكن من حمى العقارات المرتفعة، ولن نصحو يوماً لنكتشف أن الماء والكهرباء مُنحت لنا بالمجان، أو أن كل شاب سعودي وجد وظيفة مناسبة. تلك الدائرة العمياء التي ندور في فضائها منذ سنوات طويلة، فلا جديد جنينا وتغير واقعنا، ولا خير صنعنا لأنفسنا.