طالعنا قبل فترة أحد الكُتّاب ممن له شهرة ولقلمه حلاوة يتلمسها المرء في حروفه بمقال يقول فيه: إن الاهتمام بمحتوى العربية، يعد نمطا لا يقبله الواقع المنشود من هذا الجيل في ظل زمن يتسارع العالم فيه؛ ليكون لغة واحدة ضمن اللغات المتعددة؛ مما يعد تكلفا يؤخر الجيل عما يعهد إليهم! إذن فليقرأوا ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ). ولعمري لهذا السبب من تعدد اللغات واختلاط الألسنة ما يدعو العقلاء إلى رأب الصدع في مواجهته ولهو السبب المقنع للاهتمام بلغتنا؛ فهو السبب ذاته الذي دعا أبوالأسود الدؤلي وسيدنا علي كرم الله وجهه إلى وضع اللبنة الأولى في أبواب النحو وما حدا بعلماء الأمة إلى الاهتمام به كيف وقد عدّ علماء الأمة اللغة العربية آلة من علوم الشريعة، لا تفهم الشريعة إلا بها ولايخوض غمارها جاهل بها، حتى نسب إلى الشافعي: «لا أُسأل عن مسألةٍ من مسائل الفقه، إلا أجبت عنها من قواعدِ النحو» وقوله وينسب إلى الكسائي: «من تبحَّرَ في النحوِ، اهتدى إلى كلِّ العلوم» وما مفتاح تلك الكلمات سواء تشكيلها؛ وإلا لكان من يقرأ (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) بالفتح والرفع سواء. وليس عيبا أن يخطئ المرء في كلامه ويلحن وإنما العيب أن يستمر في خطئه، فمن المعيب ممن يتصدر الناس أن يرفع المنصوب ويخفض المرفوع، ولو كان جليسا لأحد الخلفاء ممن سبق لأحط قدره ومقامه وعطاءه ولو كان أشرف العرب، ولوضع أحقرهم ممن أقام لسانه؛ لأنه بإقامة لسانه سيقيم دينه ومعاشه وهو الأمر الذي حدا بأبي يوسف – تلميذ أبي حنيفة – إلى تعلم النحو على الكسائي. ولا يراد من أبناء جيلنا أن يكونوا سيبويه أو ابن مالك أو ابن هشام، بل أن يتقنوا فصول الأجرومية (الفعل، والفاعل، والمفعول به، إلخ..) مما يقوّم لسانهم ويجعلهم قادرين على أن يفكوا بأنفسهم أبسط المختصرات في أي علم وهذا كافٍ. ولعمري لو أتى في زماننا من علماء الاجتماع أو التنمية من يقول كابن خلدون: «لقد سمعنا ونحن بالمغرب أنه ظهر بمصر عالم بالعربية اسمه ابن هشام يقال: إنه أنحى من سيبويه «لكان من أعظم هبات عصرنا. وليس في إقامة اللسان أي تكلف، فالعربية ليست هي النحو فحسب وكما قال الشافعي رحمه الله: «لايحيط باللغة إلا نبي» إنما التكلف في التشدق وضرب اللسان في أبواب البيان والبديع وسجع الكلام وتكثيره وليِّه، هذا هو التكلف المنهي عنه، الذي يفسد اللسان العربي ويبعد الأجيال عما هيؤوا إليه من رسالة الإبداع والتغيير والتطوير.