ترتكز هذه المقالة على مفتاح مهم من مفاتيح فهم القرآن وهو المفتاح العلمي الذي يمكن إعماله بالتكامل بين كتاب الله المقروء (القرآن) وكتاب الله المخلوق (الكون). ونلاحظ أن الخطاب الديني المعاصرغير متوافق مع الخطاب القرآني الذي يشتمل على إشارات وتلميحات وحقائق علمية. ولو تأملنا قول الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) لوجدناها جاءت في سياق آيات الله في اختلاف الألوان والثمرات والجبال والناس والحيوانات التي لا يستطيع استيعابها إلا العلماء المتخصصين في هذه العلوم، وليس علماء فقه الأحكام الفقهية التفصيلية كما يتوهم البعض (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). في القرآن علوم استباقية متضمنة قوانين علمية وإنسانية جاءت على شكل تلميحات وإشارات. فالآية (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) تؤكد تفوق جهاز السمع على البصر لأن السمع أرقى وأعقد وأدق من جهاز الإبصار، فنجد الأم تميز صوت بكاء ابنها بين آلاف الأصوات بينما تتوه العين في زحام التفاصيل (مصطفى محمود). وقد جاءت آيات كثيرة تخبرنا بأن الحيوانات لها لغة خاصة بها (النبي سليمان يفهم لغة الهدهد) وتعيش في كيانات اجتماعية مثلنا (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ). وأن الغلاف الجوي يرد بخار الماء والموجات اللاسلكية والتليفزيونية في مقابل تصدع الأرض ليخرج منها النبات والغاز والبترول والماء والبراكين (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ). كذلك إثبات العلم اختلاف بنان (رأس الإصبع) أي إنسان عن الآخر (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ). الجانب العلمي من القرآن لا يهتم بالعلوم الطبيعية فقط، بل يمتد إلى مجالات العلوم الإنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والثقافة والحضارة. ويجب عدم الاقتصار على الإشادة بجوانب إعجاز القرآن العلمي فيها، بل تحويل هذا الإعجاز إلى مشروعات علمية كبرى ينتفع بها العالم في الدنيا ويرسخ الإيمان وتتسبب في دخول عدد أكبر من الناس في هذا الدين.