النهضة والتقدم والحضارة عبارة عن أفكار صحيحة في سيرورة من التطوير والمتابعة والإصلاح، وأفضل الأفكار ما تُطور به الأوطان وتُبنى فيه المجتمعات، وهي حال حضارية للمواطنة الصالحة، ومن هذا المنطلق أتشرف بواجب التفكير الوطني للوطن الاستثناء «المملكة العربية السعودية»، بما اختص الله به هذا الوطن من شرف المكان، إذ هو قبلة الأرض ومهد الرسالات وتأريخ الحضارات ما لا يتشكل لغيره، ثم هو اليوم ينعم بخصائص مادية جعلته حاضراً فاعلاً في العالم كله، أي أن وطني يمتلك أبعاد القوة وقوة الأبعاد، وإذا كان الانتماء الوطني شاغلَ البال فلابد أن الأفكار تتوارد بشكل كبير، وتعصف بالذهن بشكل خطر. وعبر هذا المقال سأتحدث عن رموز وأفكار وطنية انطلاقاً من الحقل الذي أعمل فيه وأُحسنه «الفكر الإسلامي ومخرجاته»، وهي مقترحات مفتاحية ثلاثة قابلة للنقد والفك والتركيب والتجاوز. أولها وثانيها: تغيير مسمى هيئة كبار العلماء إلى «هيئة كبار الفقهاء»، وتشكيل هيئة جديدة أخرى باسم «هيئة علماء المسجد الحرام والمسجد النبوي»، أما هيئة كبار الفقهاء، فلأن الفقه هو الصفة الواقعية والموضوعية لأصحاب الفضيلة أعضاء الهيئة وللمواضيع التي تناقشها الهيئة، والقرارات التي تصدرها، ولأجل أن تُشكل منظومة مع «مجمع الفقه الإسلامي»، وقد قال الله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وفي دعاء النبي «صلى الله عليه وسلم» لابن عباس «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»، وفي الحديث الصحيح «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»، وقد كان هذا الاسم هو الأجمل في حق علماء الدين عبر التاريخ الإسلامي، وهذه موسوعات التراجم لفقهاء المذاهب والبلدان، طبقات فقهاء الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة، وطبقات فقهاء اليمن وقرطبة... إلخ، واليوم ونحن في الوطن الحبيب لدينا من الجامعات العلمية الكبرى نستخدم اسم «العلم» في مواكبة للاصطلاح العالمي لمعنى «العلمي»، وفي القرآن الكريم يأتي إطلاق مسمى العلماء على هذا المعنى وليس حصراً على علماء الدين الفقهاء (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، قال الفقيه ابن تيمية «كل من خشي الله فهو عالم، وليس كل عالم يخشى الله». أما هيئة علماء الحرمين الشريفين فإن التركيبة الاسمية حددت المراد بعلماء الدين، والهدف من هذه الهيئة هو التكامل مع هيئة كبار الفقهاء، ولكنها تلبي الدور العلمي الديني للحرمين الشريفين، ولها من العالمية أكثر من الخصوصية الوطنية، ولا يزال العالم يريد أن يسمع رأياً دينياً في الأحكام والأحداث والوقائع من علماء الحرمين الشريفين، كما يسمع لعلماء الأزهر والمجالس الإفتائية الأوروبية وغيرها. والمقترح الوطني الثاني: حول المعهد العالي للقضاء، إذ إن هدف تأسيسه تطوير المنتج الإنساني القضائي وهو «القاضي»، فمن الأجمل أن يتم تطويره بأمور ثلاثة: الأول: أن يفتح له فروع متعددة، إذ انتشرت الجامعات ولله الحمد. الثاني: أن يكون هيئة مستقلة على غرار معهد الإدارة العامة، ويُشكل له هيئة إدارية من «المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا ووزارة العدل»، ويقوم هذا المعهد بهيئته المستقلة بالتعاقد مع الجامعات ذات الكليات الشرعية والقانونية والحقوقية على تطوير مشاريع مشتركة. كما يتولى هذا المعهد تطوير القضاة عبر الدورات والبرامج. والثالث: هو تحديث المواد المعرفية بما يتوافق والتطور القضائي الجديد، وتعدد درجات التقاضي وأنواع المحاكم ومستجدات التشريعات القانونية. إن هذه المقترحات مفتاحية، كما أشرت، وهي ضمن منظومة التكامل الوطني للإصلاح والتطوير. كما أنها تعكس الدور الذي نتطلع إليه وينتظره المواطن، بل والعالم كله. [email protected] twitter | @alduhaim