بين يدي، الشيم المضروبة ومعها القيم. أكرر حرقة خالد الأنشاصي وهو يتساءل: أما آن للعقل العربي الإسلامي أن ينضج؟! أما آن له أن يرتدَّ ارتداداً حميداً صوب الإنسان والتراب؟! صوب آدميته المهدرة أيديولوجياً وطائفياً وعصبيةً أشد وأعتى من الجاهلية؟!. أخفت قليلاً سيل الأسئلة الهادرة. أتذكر ضحكات علي الوردي التي تشبه البكاء، وهو يقول: «كنت في أمريكا ونشب نزاع عنيف بين المسلمين عن علي وعمر وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة فسألني الأمريكي عن علي وعمر، هل يتنافسان الآن على الرئاسة عندكم كما تنافس ترومين وديوي عندنا؟! فقلت: إنهم كانوا في الحجاز قبل 1300 سنة والنزاع الحالي حول أيهم أحق بالخلافة، فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد أن يستلقي على قفاه، وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء، وشر البلية ما يضحك!. الأوهام قاتلة هذه الأيام، والأذرع التي تغذيها ليست غضة ولا بضة. أحاول أن أطرد «المعكننات» رغم كل ذلك وأبدو متفائلاً. نوافذ الدار مزينة «بالشناشيل» العراقية. الشاي مثعن على النار، «صعيدي» مر وثقيل كما يعدل المزاج. صورة حالكة على الشاشة تفسد القعدة، وتعري الواقع المر. في لبنان يعلقون على أبواب العمائر اسم الطبيب وتحته الطائفة التي يعالجها لا تخصصه الطبي!. ومن هناك يصرخ غسان شربل «لقد كذبنا طويلاً» بالغنا. وأسرفنا. توهمنا أن المساحيق تغطي ما تحتها، وأن الشعارات الكبرى تنطلي إلى الأبد، وأن الإنكار باب من أبواب العلاج، وأن التضليل يهيل التراب على الألغام ويقتلها. العراق أيضا هو الآخر مذبوح من الوريد إلى الوريد. الأذرع تحاول شد سوريا ما بعد الطاغية. سميح القاسم صادقَ الجواهري أكثر من ثلاثين عاما لم يسأله فيها عن طائفته. هذا حلم «طوباوي» وسط خطاب الطائفية المتصاعد. لا تحضنوا بعضكم.. فكروا قليلاً في هذه الخلافات الهوجاء.. فكروا كثيراً في الوطن، وفي التراب!.