لم يكن الطريق إلى مدينة منزل بوزيان التونسية سهلا فالوصول إليها هذه الأيام يبدو صعباً ما جعلنا نسلك طريقاً ترابياً استغرقنا فيه عشر ساعات للوصول إليها قادمين من العاصمة. ومنذ اللحظة الأولى التي تدخل فيها شوارع وأزقَّة منزل بوزيان تعلم جيدا أنك في مدينة شموخ فهي من أهدت الثورة التونسية أول شهيد يوم 24 ديسمبر 2010، وهو محمد العماري. وبعد عامٍ ونصف العام على الثورة، تهدد “منزل بوزيان” بالدخول في عصيان مدني وسط حالة من الفوضى والغليان جاءت بعد احتجاجات شعبية ضد الحكومة التونسية برئاسة حمادي الجبالي وسياساتها تجاه المنطقة. ولعل أخطر ما جدَّ في الأيام الأخيرة هو استهداف لشباب الثورة ومحاولة الزج بهم في غياهب السجون بتهم كيدية لا تمت للواقع بصلة والسبب أنهم رافضو الركوع والتخلّي عن وصية الشهداء، بحسب شهادة أهالي المدينة. وأمس الأول خرجت في مدينة منزل بوزيان مظاهرة دعا خلالها المتظاهرون إلى إسقاط الحكومة التونسية التي تقودها النهضة الإسلامية. وتأتي احتجاجات بوزيان بالتوازي مع احتجاجات شعبية كثيرة في مناطق محيطة بالمدينة بسبب انقطاع المياه المتواصل على مدى أسابيع. “صفوان بوعزيزي” شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره، في ملامح وجهه ليس من الصعب أن تقرأ التوق للحرية والاعتزاز بالذات، لا تفارق البسمة شفتيه بشهادة الجميع، هنا كان مقاتلا شرسا من أجل الحرية وساهم برفقة إخوته في الإطاحة بالمخلوع، هو مناضل في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس، عرِف السجن ليس في عهد زين العابدين بن علي ولكن في عهد حكومة الثورة. تحدث صفوان إلى “الشرق” قائلا “نحن لا نريد الفوضى ولا نحرض عليها، نحن بناة وطن ولسنا مخربين كما يتهموننا، ذنبنا الوحيد أننا قررنا العيش الكريم وتحقيق وصية الشهداء، لكن هذه الحكومة لم تترك لنا الخيار لذا نخوض الصراع معها وهو صراع وجود، لسنا أول من دعا لفكرة العصيان المدني وتكوين جبهة شعبية لقيادة الثورة بل هناك من سبقنا في هذا الطرح وهما فصيلا شباب الثورة “حركة عصيان وشباب الكرامة”. وتابع “لكن نحن من أخذ على عاتقه تطبيق الأمر على أرض الواقع وهو ما تم فعلا حيث طردنا المعتمد (ممثل الحكومة) في المدينة لتقاعسه وولائه الأعمى للحزب الحاكم ومواصلة سياسة التهميش كما تم أيضا غلق مركز الأمن العمومي ومطالبة الأعوان العاملين به بمغادرة المدينة بعد أن تم تلفيق تهم كيدية لي ولحاتم فاضل ونزار زويدي، ويعلم القاصي والداني أنهما من شباب الثورة الحاضرين في كل التحركات من أيام الثورة إلى يومنا هذا”، متسائلاً “كيف يمكن أن تأكل الثورة أبناءها وتزج بهم في السجون؟”. لم تمر ساعة إلا وأعلن المؤذن حلول موعد الإفطار، كنَّا مدعوين عند أحد جرحى الثورة “علاء حيدري”، دخلنا المنزل فوجدنا الجميع في انتظارنا، خاطبنا أبو علاء قائلا “إن تصورت هذه الحكومة أننا سننسى أو نهادن في تحقيق أهداف ثورتنا فهي مجنونة، لابد أن تعلم هذه الحكومة أن هذه هي البداية وسنبقى على طريق شهدائنا ومطالبهم المشروعة في الحرية والعيش الكريم والكرامة حتى تحقيقها”. هنا في شوارع المدينة يوجد شيء غريب لا يمكن أن تجده في أية مدينة تونسية أخرى فشعار “ارحلي يا نهضة” هو المسيطر والمخطوط على كل الحيطان فالكل هنا متفق على أن الداء هو حكومة الائتلاف الثلاثي الحاكم بقيادة الحركة الإسلامية. وبعكس كل مناطق تونس التي تشهد صراعا أيديولوجيا، نجد هنا أن كل الأفكار تسقط وتحيا القيم، هنا فقط يوجد السلفي والليبرالي على نفس الطاولة في المقهى ويتشاورون بشأن الحل وأشكال النضال القادمة من أجل استكمال الثورة. رافقنا جريح الثورة علاء إلى مقهى المنطقة، وكانت المفاجأة أن وجدنا شابا سلفيا برفقة الآخرين، تجاذبنا معه أطراف الحديث فقال “إن النهضة خانت البلاد والعباد وقبلها خانت الله، فمنذ توليها الحكم ونحن من مصيبة إلى أخرى، ما أن نرفع ساق حتى تغرق الأخرى، نحن هنا عانينا من النظام السابق ونعاني اليوم، لماذا كُتِبَ علينا هذا؟ لماذا تواصل هذه الحكومة التمييز وعدم العدل في توزيع ثروات البلاد؟ انظر حولك لتر الفقر، انظر حولك وشاهد البؤس، نحن لم نقدم شهداءنا من أجل هذا”. غادرنا المقهى الذي يتجمع فيه الثوار ليقرروا أشكالهم النضالية القادمة على وقع أخبار أن وزارة الداخلية تحشد قواتها لمهاجمة المدينة بعد أن استعملت الغاز المسيل للدموع بصفة كثيفة لتفريق مظاهرة خرجت تطالب بالماء الصالح للشراب في منطقة “رميلية” التي تبعد حوالي عشرين كيلومترا عن مدينة منزل بوزيان. وتمر حكومة حمادي الجبالي بفترة صعبة وتواجه تحديات كبيرة في إدارتها للشأن العام التونسي، خاصة بعد تداعيات استقالة وزيرين منها في الشهرين الأخيرين. ويُنتَظر أن تعلن الحكومة عن تعديل وزاري هو الأول من نوعه منذ تولت حركة النهضة الإسلامية وحليفاها حزبا المؤتمر والتكتل حكم البلاد. بدورها، أعلنت حركة النهضة على لسان منسقها العام، عبدالحميد الجلاصي، أن الحركة متمسكة برئاسة أمينها العام حمادي الجبالي للحكومة وذلك خلافا لما راج من أخبار حول عزمها استبدال حمادي الجبالي بوزير الداخلية علي العريض. جدران المدينة تحمل شعارات ثورية