تونس - أ ف ب، رويترز - وجه «حزب النهضة» الإسلامي الفائز في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس أمس رسائل طمأنة في شأن توجهاته السياسية داخلياً وخارجياً أكد فيها خصوصاً أن الثورة كانت على «النظام وليس على الدولة»، مشدداً على إيمانه بمبدأ «الوفاق» داخلياً وحرصه على حقوق المرأة. وقال زعيم «النهضة» راشد الغنوشي خلال مؤتمر صحافي في العاصمة أمس إن الشعب التونسي أثبت من خلال انتخابات المجلس التأسيسي الأسبوع الماضي أنه مصمم «لا فقط على إسقاط الديكتاتورية بل أيضاً على بناء الديموقراطية»، مضيفاً أن الثورة التي لم يصنعها «حزب ولا مجموعة... لم تهدم الدولة التونسية وإنما نظاماً مستبداً، ونحن عازمون على الحفاظ على الدولة». وأضاف الغنوشي أن حزبه الذي فاز ب90 مقعداً في المجلس التأسيسي من أصل 217، يسعى إلى إقامة «مؤسسات سياسية تنتخب دورياً انتخاباً نزيهاً، وتثبيت الانتماء الحضاري وترسيخ مقومات الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي... والتأكيد على العمق الحضاري لتونس مغاربياً وعربياً وإسلامياً وعلى العالم، خصوصاً مع أشقائنا في ليبيا والجزائر». وتعهد «الالتزام بالامن والسلم في العالم... واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية... والانفتاح على أوروبا وخارجها واستعادة دور تونس المؤثر في المتوسط، وعلاقات الصداقة التاريخية مع الولاياتالمتحدة الأميركية». وأكد انفتاح حزبه على كل القوى التي ناضلت ضد الاستبداد منذ أكثر من 50 عاماً في تونس لبناء مؤسسات الدولة الجديدة على قاعدة «الوفاق». وقال: «الديموقراطية للجميع أو ليست لأحد، قلوبنا مفتوحة للجميع... نسعى إلى إخواننا في الوطن مهما كانت توجهاتهم طالبين منهم المشاركة في كتابة الدستور وفي نظام ديموقراطي وفي حكومة ائتلاف وطني في إطار الوفاق. ولا يجب أن نغفل جهاد من ناضلوا من أجل هذه الثورة وتداولوا على السجون منذ الاستقلال (1956) من قوميين واشتراكيين ونقابيين وليبراليين وشيوعيين». وجدد تأكيد التزام الإسلاميين بالحفاظ على المكاسب التقدمية للمرأة في تونس. وقال: «تجدد النهضة التزامها لنساء تونس بتقوية وتفعيل دورهن في صناعة القرار السياسي بما يمنع الارتداد عن مكاسبهن»، مشيراً في هذا السياق إلى أن 42 من أصل النساء ال49 اللواتي انتخبن في المجلس التأسيسي ينتمين إلى حزبه. وأضاف: «بالتأكيد سيكون للمرأة حضور في الحكومة المقبلة... وسنعمل على أن تمثل المحجبة وغير المحجبة لتعكس واقع تونس». وتابع: «النهضة لن تغير من نمط الحياة عن طريق الدولة. سنترك للناس حقوقهم في ما يلبسون ويأكلون ويشربون، هذا ليس من شأن الدولة... النهضة لا تريد تحويل الناس إلى منافقين، وأحب إلينا أن نرى وجوهاً عارية من أن نرى وجوهاً منافقة». من جهة أخرى، دعا الغنوشي إلى الهدوء في مدينة سيدي بوزيد بعد أعمال عنف أعقبت احتجاجات على إلغاء فوز عدد من قوائم «العريضة الشعبية» (19 مقعداً) وتنديد زعيمها الهاشمي الحامدي بما اعتبر أنه استبعاد «النهضة» له من مشاورات التحضير للمرحلة الانتقالية المقبلة، مشيراً إلى أن حزبه لم يجر مشاورات مع أي قائمة مستقلة حتى الآن. وقال: «نحن أكدنا أننا نحترم إرادة الشعب وكل قائمة فازت سواء كانت مستقلة أو تابعة لحزب هي جديرة بأن تحترم ويحترم أهلها... نحن تشاورنا مع أحزاب وليس مع قوائم مستقلة وهذه الأحزاب لنا معها تاريخ ولم نتشاور بعد مع أي قائمة مستقلة». ودعا أهالي سيدي بوزيد حيث أعلن فرض حظر التجول اثر عمليات تخريب الليلة قبل الماضية إلى «الهدوء وأن يقدموا مرة أخرى النموذج في حماية الأملاك العامة والخاصة»، معرباً عن «خشيته أن تكون أيدي التجمع المنحل (حزب زين العابدين بن علي) ساهمت بقدر أو بآخر في نشر إشاعات» لتأجيج الوضع. ولفت إلى أنه يحبذ الاحتفاظ ببعض الوزراء من الحكومة الحالية الذين قدموا أداء جيداً. وسئل عن تشكيل الحكومة الجديدة، فأجاب بأن «التغيير لن يكون كاملاً والاتجاه هو إجراء بعض التغييرات، وتلك القرارات ستتخذ بعد التشاور مع شركاء الحركة في الحكومة الائتلافية». وأبدى ثقته في بعض الوزراء الذين يتسمون بالنزاهة والذين أدوا واجبهم في شكل جيد في بعض القطاعات الاستراتيجية. من جهته، أعلن الأمين العام ل «النهضة» حمادي الجبالي المرشح لرئاسة الوزراء، بدء «مشاورات أولية» أول من أمس بين حزبه و «التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات» (21 مقعداً) و «المؤتمر من أجل الجمهورية» (30 مقعداً) في إطار مفاوضات ستشمل العديد من الأحزاب الأخرى، للاتفاق على مختلف مؤسسات المرحلة الانتقالية الثانية. وقال إن حركته تتوقع تشكيل الحكومة الجديدة في غضون عشرة أيام. ولم تكن للاحتجاجات الأخيرة في سيدي بوزيد علاقة مباشرة بفوز «النهضة» لكنها جاءت بسبب شطب نتائج «العريضة الشعبية» في المدينة بسبب مزاعم عن تجاوزات في تمويل الحملة الانتخابية. وقال شاهد عيان إن حشداً كبيراً حاول مهاجمة مقر الحكومة المحلية، وإن المتاجر والمدارس أغلقت وإن مروحيات تابعة لقوات الأمن تحلق في الجو. وأكد مصدر في وزارة الداخلية أن الحكومة فرضت حظر التجول خلال ساعات الليل في البلدة. وفي بروكسيل، هنأت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون والمفوضية الأوروبية أمس «النهضة» على فوزها في الانتخابات، ووعدت بأن يقدم الاتحاد مساعدة على طريق الديموقراطية والحرية. وقالت اشتون والمفوض المكلف العلاقات مع الدول المجاورة للاتحاد ستيفان فولي في بيان مشترك: «نحيي المرشحين والأحزاب الذين شاركوا في هذه العملية الديموقراطية ونهنئ حزب النهضة الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات». وأضاف البيان أن «الاتحاد الأوروبي يشيد بأفق التعاون الوثيق مع المجلس (التأسيسي) الجديد والسلطات والمؤسسات التونسية للاستجابة لتطلعات التونسيين إلى الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة». ورأى أن المجلس التأسيسي «يجب أن ينكب على مهمة أساسية في روح توافقية لبناء دولة ديموقراطية جديدة». وبعد أن أثنيا على «الفرصة التي حصل عليها التونسيون للمرة الأولى باختيار ممثليهم في شكل حر وديموقراطي وتحديد مصيرهم»، أبدى المسؤولان أسفهما إزاء «المواجهات التي اندلعت عند إعلان النتائج الأولية ووجها دعوة للهدوء وضبط النفس».