تتجه الجمعية اللبنانية لنشر الموسيقى الأوركسترالية “لوبام”، التي قدمت فرقها السمفونية الثلاث حفلة مساء السبت في إحدى ضواحي بيروت، إلى تجسيد رسالتها المتمثلة في “أن تكون الموسيقى أداة لجمع اللبنانيين بلغة مشتركة تتجاوز الاختلافات الطائفية والسياسية”، إذ تستعد لتوسيع انتشارها إلى جنوب لبنان وشماله، بعد أن كان وجودها يقتصر على جبل لبنان. وبشغف وانضباط وانسجام، عزف 190 شاباً من أعضاء الجمعية على خشبة مدرسة الحكمة الجديدة (شرق بيروت)، بعد أن تدربوا على مدى عشرة أيام ضمن مخيم صيفي موسيقي مكثف هو الأول من نوعه في لبنان والشرق الأوسط. ويشرح النائب في البرلمان اللبناني غسان مخيبر الذي يرأس الجمعية، وكان صاحب مبادرة تأسيسها في العام 2008، أن الجمعية التي لا تتوخى الربح، “تقبل تلاميذ من عمر 12 عاماً إلى 18 عاماً، وتعلمهم الموسيقى وتضع الآلات في تصرفهم مجاناً ليتدربوا عليها”. ويضيف “ننظمهم في فرق أوركسترا سيمفونية تقوم على الآلات الهوائية والإيقاعية، علماً أن الجمعية تتولى تعليم العزف على تسعة أنواع من الآلات الهوائية، وعلى 17 آلة إيقاعيات”. ويروي مخيبر لوكالة فرانس برس قصة تأسيس الجمعية، فيشير إلى أنه درس في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) العزف على آلة “أوبوا” الهوائية، لكنه اضطر إلى أن يضع الته جانبا بسبب انشغاله بدراساته العليا، ثم بمزاولته مهنة المحاماة، وبعد ذلك بالعمل البرلماني عندما انتخب نائباً. لكنه بقي عازماً على أن يقوم بنشاط موسيقي، وأن يعمل لفتح باب الموسيقى أمام الشباب. في العام 2008، فيما كان الانقسام بين اللبنانيين حاداً، عرض مخيبر على الصحافي الراحل غسان تويني فكرة “أن تكون الموسيقى أداة لجمع اللبنانيين بلغة مشتركة تتجاوز الاختلافات الطائفية والسياسية” . ويضيف “بالفعل أسسنا الجمعية يوم كانت الانقسامات السياسية بين اللبنانيين في ذروتها، واتفقنا مع مدير الكونسرفاتوار الوطني الراحل الدكتور وليد غلمية على التعاون مع الكونسرفاتوار لتأمين الأساتذة”. ويرى مخيبر المتحمس للجمعية والمتتبع لأدق تفاصيل عملها، أن المشروع يقدم إلى الشباب “وسيلة لتمضية أوقاتهم بطريقة أفضل”، فضلاً عن أن “من شأن العزف ضمن فرقة أوركسترالية أن يعلم الشباب اللبنانيين ثلاث قيم أساسية، هي التعاون والدقة واحترام التنوع الذي يتجسد في تنوع الآلات ضمن الفرقة”. وخلال أربعة أعوام من تاريخ انطلاق “لوبام”، خطت الجمعية “خطوات جبارة”، على ما يقول مخيبر، إذ “باتت الفرقة تضم 250 تلميذاً، يتوزعون على ثلاث فرق أوركسترا، الأولى للمبتدئين، والثانية لمتوسطي المستوى، والثالثة لذوي المستوى المتقدم في العزف”. وشارك 190 من التلاميذ في المخيم الصيفي الذي أقامته الجمعية لتلاميذها، تحت إشراف 16 أستاذاً من جنسيات مختلفة، إضافة إلى أربعة طلاب أردنيين، وطالب عراقي. ويصف مخيبر طريقة التعليم في الجمعية بأنها “فريدة”، ويشرح قائلاً “نستخدم أفضل وسائل التعليم بما فيها المخيم الصيفي، وخلال أيام المخيم العشرة، يتعلم الأولاد بقدر ما يتعلمون كل السنة”. ويقول مخيبر إن الجمعية، إضافة إلى استقبالها التلاميذ، تسعى كذلك إلى جعل تعليم الموسيقى إلزامياً في كل المدارس اللبنانية الرسمية. ويوضح مخيبر أن البرنامج الرسمي لوزارة التربية يلحظ إلزامية التعليم الموسيقي، ولكن لا يوجد العدد الكافي من الأساتذة. وتتعاون الجمعية مع وزارة التربية لتطوير الأدوات التعليمية للموسيقى في المدارس الرسمية، وتدريب الأساتذة على هذه الأدوات والبرامج. ويقول مخيبر “طموحنا الكبير أن تدخل الموسيقى بشكل ديموقراطي في كل المدارس اللبنانية بمعزل عن القدرة الاقتصادية للتلاميذ”. ويفتخر مخيبر بالحفلتين اللتين قدمتهما الفرقة في مهرجانات بيت الدين في 14 يوليو الماضي، وقبلها في جنيف، حيث عزف 47 شاباً وشابة من لبنان في قاعة “فيكتوريا هول” العام الفائت، تتويجاً لتعاون بين الجمعية، وبلدية جنيف، وجمعيات سويسرية تقوم بعمل مماثل”. ويضيف “في السنوات الثلاث الأولى، ساعدتنا بلدية جنيف لشراء الآلات، وتلقينا دعماً مالياً من بعض المصارف والأشخاص المؤمنين بأهمية هذا المشروع، إضافة إلى مجموعة من البلديات التي تنشط الجمعية في مناطقها، فضلاً عن مساعدات أيضاً من وزارة الثقافة، ومن مؤسسات تعنى بتطوير الثقافة والموسيقى”. وتتعاون “لوبام” مع جمعية “إل سيستيما” الفنزويلية التي أسسها خوسيه أنتونيو أبرييو قبل نحو 40 عاما ويبلغ عدد طلابها نحو 200 ألف، وقد حضر من فنزويلا قائد الأوركسترا المايسترو إدغار ساوميه لنقل تجربته وخبرته إلى طلاب المخيم الصيفي. وكشف مخيبر أن الفرقة التي افتتحت فرعها الأول في بيت مري، والثاني في بسكنتا، والفرع الثالث افتتح قبل عام في مدرسة الحكمة الجديدة، تطمح إلى تكون لها فروع في كل لبنان، مشيراً إلى أنها ستفتح السنة المقبلة فروعاً في صور وعكار والشوف. ويعتبر قائد أوركسترا المبتدئين روني شختورة أن “ثمة مواهب كثيرة في الفرقة، وأن 80% من العازفين يمكن أن يحترفوا إذا حصلوا على الدعم اللازم والظروف المناسبة”. ويرى الأستاذ الصيني توماس كيم إن “لوبام” فرصة مميزة ليختبر العازفون الشباب الموسيقى بشكل مكثف. ويقول “أنا متحمس جداً للعمل معهم. ما يميز هذه الفرقة أنهم يعملون بجهد وجدية”. ومن المشاركين في هذا المشروع شربل معز (14 عاماً)، وشقيقته شيرين (12 عاماً)، يتعلمان أساساً العزف على الكمان في الكونسرفاتوار الوطني، أما في “لوبام” فيتعلمان العزف على آلات النفخ. وتكرس ريجينا فرح (19 عاماً) قسماً كبيراً من وقتها منذ أربع سنوات لتعلم العزف على الإيقاع مع “لوبام”، الى جانب دراستها الهندسة الزراعية. ويجد دانيال الهيبي (14 عاماً) في العزف على الفلوت ضمن “لوبام”، وسيلة للتعبير عن نفسه. أما جيهان سكر وزوجها، فقررا، لكثرة ما انتظرا أولادهما الثلاثة خلال ترددهم على الجمعية، أن يتعلما الموسيقى معهم. ويعتز نجلهما بشير (9 أعوام) الذي بدأ بتلقي الدروس قبل سنة ونصف سنة، بانه عزف في مهرجانات بيت الدين. أ ف ب | بيروت