لكل منا ذكرياته الرمضانية التي لا تنسى وخاصة في مرحلة الطفولة، ففي طفولتنا كان لرمضان طعم مميز ومختلف عما نشعر به اليوم. هذه الأيام يشدني الحنين للحي القديم الذي ولدت فيه وترعرت به وللأجواء الرمضانية فيه وما أجملها من أجواء عامرة بالبساطة وبحب الخير والتسابق على فعل الخيرات والتواصل بين الجيران وهي أجواء نفتقدها بشدة هذه الأيام بسبب حياة المدينة وتحول المنازل إلى قلاع وحصون عالية تفصل الجيران عن بعضهم البعض فلا يعرفون شيئاً عن سكان المنازل المجاورة لهم ومن عاش منهم ومن مات. في طفولتي كانت الأسرة تجتمع على مائدة الإفطار قبل الأذان وأعيننا شاخصة باتجاه التلفاز ننتظر بلهفة شديدة مشاهدة إطلاق المدفع الرمضاني للبدء بتناول الطعام وبعد صلاة المغرب ننصت لحديث الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في برنامجه الرمضاني “على مائدة الإفطار” وكان يبرع فيه بجذب انتباه المشاهد لحديثه الممتع وخليط المعرفة الممزوجة بالشواهد والطرائف فينسى الطعام والشراب الذي أمامه ويشرب من حديثه دون ارتواء. في كل مرة استحضر تلك الذكريات الجميلة أشعر بغصة في حلقي وأنني أفتقد بساطة وكرم أهل الحي القديم وعبق الأجواء الرمضانية هناك وخاصة حينما أتذكر طقوس رمضان في منزلنا وكيف كانت والدتي تحرص على توزيع الرطب على أهل الحي قبل دخول الشهر الكريم وكيف كانت ترسلني لمنازل الجيران قبل أذان المغرب بساعة محملة بما أعدته من أطعمة وكيف كنت أرجع محملة أيضاً بصنف أو صنفين من مأكولات الجيران الرمضانية وكنت أستمر في هذه المشاوير الرمضانية وبشكل يومي حتى نهاية شهر الخيرات.أحلى ما في هذه الذكريات الرمضانية أنها تذكرني بكل شيء جميل وأهمية اجتماع الأسرة على مائدة واحدة وأن هناك شخصيات عزيزة على قلوبنا فقدنا وجودهم على مائدة الإفطار ورحلوا عنا للأبد وهم الآن تحت التراب وبحاجة ماسة لدعائنا ولمن يعبر عن محبته لهم بالصدقات.سيظل شهر رمضان ضيفا عزيزا على نفوسنا يأتي ويرحل بسرعة ويترك لنا خلفه ذكريات جميلة لا تنسى أبداً.