كان الإفطار الجماعي اليومي في محافظة أبو عريش في منطقة جازان، جزءا من تراث الحارة التي كانت تمد الأطباق المطبوخة على طول الطريق، وكأنها دعوة تلقائية خيرية لعابري السبيل ما يعكس روحانية الشهر الفضيل، هذا الجو الروحاني لم يتبق منه سوى ما علق في ذاكرة كبار السن، الذين يتذكرونه بالحنين والشوق بعد أن أصبح إرثا قديما. ويقول المواطن طيب واصلي: كانت الموائد الرمضانية في السابق تقوم على البساطة والألفة، وكان يجتمع إمام المسجد والمؤذن وأهالي الحارة، على مائدة الإفطار كما كنا نحسب حساب عابري السبيل الذين نبادلهم ألفة ومحبة فنتناول معهم إفطارنا بعبق روحاني لا مثيل له. ويوضح تيهان الخرمي، أن الإفطار الجماعي في ساحة المسجد ظل لسنوات طويلة من تراث أبو عريش وقرى المحافظة، وكانت الأطباق الشهية تمتد على طول الطريق لكن الأحوال الآن تغيرت والإفطار الرمضاني الجماعي، انحسر مدة وظل إرثا قديما نتذكره بالحنين والشوق وأمل العودة. ويعوض أهالي المحافظة عن تلك الجلسات بإقامة موائد رمضانية منظمة وبدعوات خاصة تكون وفق مجتمع مصغر مثل زملاء العمل، هذا ما يؤكده حسن طوهري الذي يقول: تعودنا إقامة مائدة رمضانية في كل عام، حيث نتجمع مع زملائنا في جلسات سمر نستعيد فيها ذكريات ليالي رمضان الجميل. ويشير إبراهيم حربين، إلى أن التمدن غيب الإفطار الجماعي خلال السنوات الأخيرة ولذلك يعمدون إلى مثل هذه التجمعات الخاصة. ويختزن عبد الله سالم في داخله ذكريات الطفولة، وأنه كيف كان يحمل الأطعمة عندما كان طفلا، من المنزل إلى ساحة الحارة، مشيرا إلى أن أبناءه لا يعلمون شيئا عن تلك الموائد الجماعية. ويصف العم ناصر بن علي، أيام رمضان قبل أكثر من 70 عاما قائلا: «كنا نجتمع قبيل أذان المغرب على مائدة واحدة تكون مجهزة مسبقا في المنازل، وكان جميع أفراد الحارة (كبارا وصغارا) يجتمعون جوار المسجد، وكنا نردد مع المؤذن أذان المغرب ليأتي بعدها تناول الإفطار. ويضيف: «قلوبنا كانت متآلفة فبعد الصلاة كان إمام المسجد يقدم درسا في آداب الصيام وأحكامه، ثم نعود لتناول القهوة وتجاذب أطراف الحديث، وبعد صلاة التراويح كنا نجتمع عند شيخ الحارة في جلسة رمضانية، تتخللها وجبة العشاء والأحاديث الرمضانية الرائعة.