تعد رواتب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية من الركائز المهمة التي تؤثر على الاستقرار المهني وجودة الحياة الأكاديمية. وعلى الرغم من وجود مكونات متعددة للراتب، فإن البدلات المشروطة تمثل جزءاً مؤثراً من إجمالي الدخل الشهري. ويترتب على ذلك تباين في الرواتب بناءً على عوامل قد تكون خارجة عن إرادة عضو هيئة التدريس. من أبرز هذه البدلات: بدل التعليم، الذي يُشترط لصرفه استكمال النصاب التدريسي الكامل خلال الفصل. إلا أن هذا النصاب قد لا يُستوفى في بعض الأقسام بسبب انخفاض عدد الطلاب، أو تطبيق نظام "التيرم" بدل الساعات، أو لأن الشعبة لا تصل إلى الحد الأدنى المطلوب، مما يحرم العضو من البدل. كذلك، بدل الندرة يُمنح فقط إذا كانت نسبة السعوديين في القسم أقل من 50 %، ممّا يجعله متغيراً من عام لآخر. كما أوقفت بعض الجامعات بدل الحاسب الآلي رغم الاعتماد المتزايد على التقنية في جميع التخصصات. إلى جانب ذلك، يُطلب من أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات، العمل في لجان داخلية دون الحصول على مقابل مادي، رغم الجهد والوقت المطلوبين. كما أن السكن الجامعي لا يتوفر دائماً، وقد يكون غير محدث أو محدودًاً، ما يضطر الأعضاء إلى الاستئجار من الخارج وتحمل تكاليف إضافية. في جانب آخر، يواجه البعض تأخراً في الترقية بين الرتب العلمية. فالمعيد في بعض الجامعات، على سبيل المثال، لا يُرقى إلى محاضر إلا بعد الحصول على قبول دكتوراه أو قرار ابتعاث، ممّا قد يؤدي إلى بقائه في نفس الرتبة لسنوات، دون تحسن في المزايا رغم قيامه بمهام أكاديمية فعلية. وقد تناولت دراسة علمية منشورة في المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل (2024) للباحث د. عبدالرحمن آل الشيخ مبارك هذه القضايا من خلال مقابلات نوعية مع أكاديميين سابقين وحاليين. وأوضحت الدراسة أن من أبرز العوامل المؤثرة في تسرب الكفاءات: تذبذب البدلات، ضعف التقدير المهني، تأخر الترقية، والمهام الإدارية غير المحفزة. كما أشارت إلى أن بعض الأكاديميين يغادرون الجامعات نحو قطاعات أخرى توفر استقراراً وظيفياً وامتيازات مالية أكبر. واختُتمت الدراسة بعدد من التوصيات، من أبرزها: مراجعة سياسات الترقيات والبدلات، اعتماد آليات شفافة وواضحة لصرف الحوافز، وتطوير بيئة العمل داخل الجامعات بما يعزز من التقدير والتحفيز. كما أكدت أهمية تهيئة المسارات المهنية للأكاديميين بطريقة مرنة تدعم استبقاء الكفاءات، وتعزِّز من تنافسية الجامعات على المستوييْن المحلي والدولي.