كنت دائم التصور بأن أساتذة الجامعات وقياداتها لا يمكن أن يسهموا أبداً في خلق مشكلة للمجتمع الذي يعيشون فيه، ذلك أن هذا المستوى العلمي الذي يسهم في تخريج وتثقيف قيادات مستقبل المجتمع هم في ذات الوقت المنوط بهم حل أي مشكلات تحل بهذا المجتمع باعتبارهم خلاصة العقول التي ساهم المجتمع بإمكانياته المتواضعة في إيصالهم بالتعليم شبه المجاني لما هم فيه الآن، وذلك رغم الاعتراف بكل مشاكلهم المتراكمة باعتبارهم جزءا من «مجتمع المعاناة» الذين هم يقودون بعلمهم وجهدهم خطى الإصلاح فيه إلى أن أصبت بالدهشة من مواقف جامعية إزاء المشكلات الحالية التي تعاني منها مصر، والتي استغلت الفوضى الحالية -في انتهازية لا تليق- بالانضمام لصفوف العمال والموظفين الذين «يلوون» عنق الدولة شبه المفلسة للحصول على حقوق طال انتظارهم لها، فلما وقعت الدولة في المشكلة كانوا هم أول القافزين فوق رقبة تلك الدولة دون أي خشية من كسر عنق الوطن الذي لم يبخل عليهم يوما بشيء مما يمتلك أيام كان يمتلك شيئاً يقدمه! وكان مثار الدهشة الشديدة هو مسار «لي الذراع» الذي لجأوا إليه، حيث هددت بعض الكليات بالجامعات بحجب النتائج ووقف أعمال الكنترولات، وعدم إجراء «اختبارات القدرات» للطلبة الجدد احتجاجاً على عدم التصديق على أربع مواد بينها زيادة الرواتب، كان مجلس الشعب الإخواني قد وافق عليها -مبدئياً- قبل صدور حكم بحله بيوم واحد! ولم يكن ذلك فقط، وإنما أعلن «نائب رئيس جامعة الزقازيق» أن جامعته تلقت من أساتذة الكليات العملية خطابات بإعلان الامتناع عن أعمال التصحيح، وحجب النتائج، ووقف الكنترولات وكافة أعمال كلياتهم الخاصة بالطلاب لحين تحقيق مطالبهم، ومعهم تلقت بقية الجامعات من إدارات كلياتها خطابات بنفس المعنى، في «عقاب جماعي» لطلاب لا علاقة لهم بما جرى لهؤلاء الأساتذة من تأخير في تنفيذ مطالبهم التي تدخل تحت بند «المطالب الفئوية» التي يعجز الوطن الآن بخزائنه المسروقة عن الاستجابة إليها لحين إصلاح الحال الذي كنا نتصور أن أساتذة تلك الجامعات سوف يكونون طرفا رئيسيا في حل المشكلة بدلا من أن يكونوا هم صانعيها!