انتهى حفل افتتاح أولمبياد لندن الذي شاهده نحو مليار شخص حول العالم وانفض السامر وانصرف الرياضيون لمسابقاتهم والمشاهدون لحياتهم، غير أن المهم في الحفل ليس المراسم والاحتفالات وعناصر الإبهار اللفظية وإنما في الثيمات الرمزية التي تحملها كل فقرة وتفصيلة في الحفل، فهناك دلالة رمزية مباشرة واضحة مثل الستة ملايين ورقة التي تطايرت في الهواء قبل أن تتساقط على أرضية مكان الاحتفال وعلى رؤوس الناس أو عدد الثقوب في الشعلة الأولمبية، وهناك دلالات ثقافية غير مباشرة حرص مصممو حفل الافتتاح ومخرجه على أن يقدموا رموزا وإحالات لمفردات الثقافة البريطانية بدءا من جزر العجائب موضوع الحفل المستوحاة من مسرحية العاصفة لوليم شكسبير التي تدور حول مجموعة من الأشخاص الذين ضلوا طريقهم للجزيرة بعد تحطم سفينتهم، والأرض المبهجة الخضراء في المشهد الرعوي الذي ذكر في قصيدة القدس لوليم بليك، كما أن الصور الجوية لديكور القسم الثاني من العرض عن نهر التايمز وهو يجري بين مبان مظلمة ومداخن يمثل الجانب الآخر من البلاد الذي جاء وصفه في قصيدة القدس أرض الطواحين والشياطين المظلمة، ورمزية بول مكارتني نجم الخنافس الذي رددت معه الجماهير «خذ أغنية حزينة واجعلها أفضل»، ورمزية قصة سلطة الشعب لبويل التي تضمنت مظاهرات البطالة في فترة الكساد وانتهاء برمز الجاسوسية الخارق جيمس بوند 007 ورمزية ترجل دانيال كريج من سيارة أجرة ودخوله قصر باكنغهام الملكي وركوبه المروحية مع الملكة لينزلا بالمظلات على أرض الاحتفال، فبريطانيا استطاعت بذكاء ووعي أن تهرب من واقعها السياسي المتردي كإمبراطورية غابت عنها الشمس وأصبحت ظلا لأمريكا لتقدم رسائل ثقافية مشعة لا ينازعها فيه تاريخ أمريكا الفقير أو الدول المنافسة لها حالياً، وفي النهاية استطاعت أن تقدم أنموذجا لما يجب أن يكون عليه تصميم وتقديم احتفال يحمل مدلولات ثقافية حقيقية تضيء تاريخ البلاد، وليس كما هو شائع في الاحتفالات التي لا تخرج عن مقطعات مهلهلة وسطحية تكلف كثيراً ولا تحمل أي مدلولات وتتكرر في كل مكان وكل زمان بصورة نمطية لا تتضمن أي معنى خلفها.