نجح المسلسل الكوميدي السوري الشهير «بقعة ضوء» على مدى تسع سنوات متواصلة في نيل رضا المشاهد السوري عبر لوحاته الكوميدية الساخرة التي قدمها نجوم الدراما السورية، ويسخرون فيها من الواقع الحياتي للشعب السوري، من فقر وغلاء وبطالة وفساد مالي وإداري ومشكلات اجتماعية نجح مسيرو العمل فيها بالرقص على الأشواك وانتزاع ضحكة من قلب كل مواطن سوري، رغم ما يكابده من هموم وآلام وأحزان. وساهم العمل لتسع سنوات في التنفيس عن المواطن السوري مما يراه يومياً من فساد وسرقات ومحسوبيات ونظام مخابراتي قطع على المواطن الماء والهواء وكل سبل العيش الكريم، ووضعه في دائرة الخوف والشك. ولئن وظف النقاد هذه النوعية من الأعمال على أنها خير وسيلة للتنفيس عن المواطن قبل أن يصل لمرحلة الانفجار، من تردي الحياة التي يعيشها، وأسهم في ذلك سقف الحرية المرتفع التي منحت للعمل، خصوصاً أن من يقف وراء إنتاج مسلسل شركة سوريا الدولية التي تعود ملكيتها لرجال الأعمال محمد حمشو، أحد الداعمين للنظام والمستفيدين منه، إلا أن هذه النوعية من الأعمال لم تكن سوى إبر مسكنة سرعان ما تلاشى مفعولها، وعاد المجتمع لوعيه وأدرك أنه لن يصلح حاله إلا بإسقاط النظام والتخلص من أركانه الذين سيطروا على ثروات البلاد مدة أربعين عاماً، وحكموا بالحديد والنار، وجعلوا هذه النوعية من الأعمال مداعبة لطموحات الحرية والتحرر في نفوس المواطنين. لكن السحر انقلب على الساحر، فتحولت هذه الأعمال، ومنها بقعة ضوء، إلى محفز على الثورة، كونه أقر بوجود فساد ومحسوبيات ونظام قمعي لا يعترف بالحريات إلا في لوكشنات التصوير. وفي رمضان هذا العام، عاد مسلسل بقعة ضوء بشكل جديد، إذ رفع سقف الحرية لينتقد بشكل مباشر وغير مباشر حالة الاحتقان لدى الشعب لسوري، ويصف النظام المخابراتي القمعي الذي أدخله دائرة الخوف، فكانت بعض لوحاته تحكي حال الإعلام السوري المضلل، الذي يصور طبيعة الحياة في سوريا على عكس الواقع، وتحدث بلسان غير لسانه، وكأنها تعترف بكذب الإعلام السوري، ومحاولته قلب الحقائق، لينطلق المسلسل في لوحة أخرى ليصور الهدف الحقيقي من هذه الأعمال على أنها جهاز للتنفيس عن الشعب في محاولة يائسة للتخفيف من قوة الثورة السورية، لكنها جاءت في الوقت الضائع، وحاول القائمون على العمل باللعب على حبلي السلطة والشعب، إذ كانت كل لوحة من لوحات العمل في جزئه الجديد حمالة أوجه، حتى يظن كل طرف أنهم يعملون لمصلحته. ومسلسل «بقعة ضوء» ساهم في اندلاع الثورة، واليوم يحاول تنفيسها في الوقت الضائع، بعدما فات القطار، لكن كل مشاهد سوري محب للعمل يأمل أن يرى المسلسل بعد الثورة السورية، وهل سيمارس التنفيس، أم التضليل، أم أن الحاجة إليه ستنتفي نهائياً. مشهد من المسلسل