أترى، يا بني، لو أنك صعدت جبلاً ثم ناديت الناس أتكون عالما؟ قلت: يا شيخي، نفع الله الأمة بعلمك، ومد على سمائها جواهر حكمتك، أظنه أحمق إن كان في عصرنا هذا. قال، مبتسماً: هذا ما أصاب العلم اليوم حتى ارتبك العامة وأضاعوا بوصلتهم فلا يفرقون بين العالم والواقف على جبل. حدثنا معمم بن ركبة فقال: كان العلم في زماننا حكمة ورجاحة رأي وتلمسا لشؤون الأمة فغلب عليه النزق والجعجعة وكثر فيه التخبط واللغط فذهبت السلطة للأكثر زيفا وصخباً. وانقطع هبنقة عن متابعة الدروس ومشاهدة حلقاتها فقيل له: كنتَ حريصاً على طلب العلم الفضائي وثني الركب أمام التلفزيون مطارداً حلقات رموزه فهل فترت همتك؟ قال: قاتل الله موافق الرويلي، كنت أظن أن كل «مدكتر» هو عالم بعيد الغور فكشف لي أن أكثرهم يتزيفون بعمامة العلم. وسألت صديقنا البحاثة في مكتبة البطحاء: ما بال العلم فقد رصانته؟ فتبسم حزناً وقال: كان العالم حكيم معرفة وصاحب استرشاد لا يجلس إلى الناس إلا وقد نضج ذهنه وتجلت نباهته أما الآن فلقد أصبح العلماء أكثر من العامة يتسابقون إلى الشهرة ويقعون في كل خطأ؛ يتحدثون أكثر مما يقرأون وإذا فعلوا لا يتبصرون. وتفاخر رجل بكثرة العلماء اليوم حتى لا تفرغ منهم قناة على كثرتهن فقال له حندمة بن رصيصة: حنانيك فكلهم تلاميذ الشيخ «قوقل». وسحب بخيل طفله من المدرسة متعللا بأن لا حاجة للدراسة، والتفلزيون محتشد بعلماء يتحدثون في كل أمر دون خسارة ونفقة! وهمس صريقع المقرقعاني في أذني: لقد غزانا اليهود. فارتعبت قائلاً: كيف ذاك يا رجل؟ قال: ألا ترى كثرة العلماء وليس فيهم عالم، هذا أخطر من الجهل وهو أمر لا يصنعه سوى بروتوكولات حكماء صهيون!