أفرزت السنة الماضية عددا من المتحدثين الرسميين حلوا محل الظاهرة الأشهر قبل عقد من الزمن محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي في عهد الرئيس صدام حسين الذي أدار الحرب الإعلامية خلال الغزو الأمريكي للعراق واشتهر بخطاباته الساخرة والواثقة خاصة عندما دخلت قوات الاحتلال الأمريكي بغداد وهو يطمئن الجميع بأن العلوج سيشنقون على أسوار العاصمة، ومن عام 2002 إلى عام 2011 أي نحو عقد من الزمان لم يتغير شيء، فموسى إبراهيم المتحدث الرسمي للحكومة الليبية كان يطمئن الشعب بانتصار قادم ويؤكد بأنهم يسيطرون على العاصمة وسينتقمون من الثوار والصليبيين (بدل علوج الصحاف) فيما كان الثوار يحتفلون في الساحة الخضراء وباب العزيزية في طرابلس، وعبده الجندي نائب وزير الإعلام اليمني بتصريحاته التي تثير الكثير من الاستغراب في ظل ما تشهده البلاد من أحداث دامية جاء هو في ظهيرة إحداها وحظي بنكات تفوق ما أطلق منها على الصحاف، وبثينة شعبان المستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري السوري التي سارت على الخط نفسه إلى أن وقعت في المحظور وتحمست قليلا بإعلانها عن اعتزام الرئيس بشار إجراء إصلاحات فاختفت من المشهد بصفعة من ماهر الأسد كما قيل وقتها ليحل محلها الوزير وليد المعلم بنبرته الحزينة وملامح وجهه الحجرية التي لا توحي بشيء. لم يعد الإعلام الرسمي يتمحور حول فرد هو الناطق الرسمي أو وزير الإعلام كما في النماذج السابقة وإنما بدأ مع طول العهد والممارسة يتغلغل داخل النظام الإعلامي ويبني منظومته الخاصة ويصبح جزءا من التفكير الجمعي كما في الحالة المصرية حيث إن إعلاميي النظام السابق لم يتغير خطابهم بعد يوم 25 يناير عما كان قبله وإنما انتقلت البندقية من كتف لكتف وتغيرت مفرداته فقط من النظام القديم إلى مفردات الثورة، وهو خطاب يمارس في كثير من الأماكن والمواقع والأزمنة تراه لدى المعلقين في الفضائيات من داخل البلد إما قناعة أو مزايدة أو رهبة أو مجرد وظيفة، وتجده لدى بعض المتحدثين باسم الوزارات والإدارات الحكومية وفي أحاديث بعض الشخصيات العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والرياضية التي بدأت تتداولها المنتديات والمواقع والشبكات الاجتماعية وتدور حولها النكات مما يعني أن رياح الربيع العربي التي هبت على هذه الدول لم تحمل في طياتها ربيعا إعلامياً، فالناطقون باسم الأحزاب أو بعض رموزها يتحدثون بنفس العقلية لأنهم ينطلقون من المدرسة نفسها التي خيمت على المشهد زمنا طويلا.