لم يعد فن المراوغة وتحويل الهزائم والنكبات إلى انتصارات وهمية ينطليان على الشعوب التي أنهكها حصار البطش والظلم. إذ ساهم الفضاء المفتوح بتقنياته الحديثة في كشف الزيف والخداع بالصوت والصورة لحبل التضليل الإعلامي الذي تمارسه الأنظمة القمعية "عنوة" ضد شعوبها لأهداف تتعلق بمصالحها. وأمام ما تنشده الشعوب من تفاعل إعلامي مهني لرصد الوقائع والأحداث التي تدور على أراضيها، مارست تلك الأنظمة سفك الدماء والركض على جماجم شعوبها، وسجلت موقفا مضادا تجاهلت فيه الحقائق وحولت "أزيز" الرصاص إلى "أبواق " بصوت نشاز وفقاعة إعلامية. وفي معترك الأحداث وتواترها آثرت "أبواق الأنظمة" أن تستلهم دور المرحلة من رموز إعلام التضليل الذين سبقوها في هذا المضمار أمثال الإذاعي أحمد سعيد، نجم الجهاز الدعائي للرئيس المصري الراحل عبدالناصر. إذ ظل يبث أكاذيبه خلال أيام حرب النكسة مع إسرائيل متحدثا عن انتصارات وهمية لا توجد إلا في خياله، فيما كان جنود مصر قد تشتتوا في عراء سيناء بسبب التقصير الفاضح. وتمتد الظاهرة لتصل إلى وزير إعلام صدام حسين، أو ما يطلق عليه "الفكاهي" محمد سعيد الصحاف فإلى جانب كونه خطيبا مفوها، كان الصحاف يتقن التزييف واختيار عبارات التحفيز والانتصار، ففي الوقت الذي كان المارينز يقرعون أبواب بغداد، ظهر الصحاف متهما الفضائيات ب"التسويق للأميركيين"، زاعما أن "العلوج" سينتحرون على أسوار بغداد. ويتكرر المشهد نفسه مع موسى إبراهيم المتحدث باسم الزعيم الليبي الهارب الذي أعلن أول من أمس وعبر مكان مجهول أن القذافي لا يزال في ليبيا "وروحه المعنوية جيدة ووراءه جيش قوي سيحرر كل مدينة ليبية". وعلى خطى من سبق، بات المشهد السوري بكل عنفه ودمويته لا يخلو من مفارقات عجيبة تثير "ضحكا كالبكاء"، إذ إن وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، لسان حال نظام بشار الأسد تعتبر دون منازع نجم كوميديا المسرح السوري الدموي، بعد أن ظلت منذ اندلاع انتفاضة الشام تتناول ما يجري على طريقة من يحاول حجب أشعة الشمس بغربال، وظلت تنحدر إلى درك سحيق وتتحول إلى بوق يجمل وجه السلطة الكالح ويتواطأ معها في قتل مواطنيها، متجاهلة أن ما يجري في سورية هو "صيرورة التاريخ" الذي لا يغفر للمتواطئين.