قبل فترة دار جدل في أمريكا عن التسمية القانونية لجهاز الموبايل، وتحدث عن هذا الجدل بالتفصيل جريدة نيويورك تايمز وعدة صحف أخرى، وذلك لأن عددا من الشخصيات القانونية القديرة في أمريكا طالبت بتسميتها «أجهزة تعقب» التي صادف أن الناس يجرون منها اتصالات هاتفية ورسائل قصيرة. قضية الاسم ظهرت في الحقيقة لأن هناك قوانين عديدة في أمريكا تتعلق بتعقب المشتبهين والشخصيات المطلوبة من أجهزة الأمن هناك، وإعادة التسمية تعني أن يفهم رجال الأمن أن التعامل مع المعلومات التي يمكن الحصول عليها من أجهزة الموبايل تنطبق عليها هذه القوانين. هذه القضية جاءت ردا على تقرير رسمي أفاد أن أجهزة الأمن الأمريكية طلبت من شركات الاتصالات (التي شاركت في التقارير التي لا تشمل إحدى كبريات الشركات) حوالي 1.3 مليون تقرير عن أشخاص معينين من خلال تعقبهم والتجسس عليهم عبر أجهزة الموبايل. الرقم كان صادما للناس في دولة يحرم قانونها تعقب الأشخاص بدون إذن محكمة، الذي يبنى عادة على شبهة جنائية واضحة. أكتب هذا الكلام كتوضيح للكثير من القراء الذين تجاوبوا مع مقال الأسبوع الماضي الذي تحدثت فيه عن كيفية استخدام المعلومات المنشورة في الشبكات الاجتماعية. إذا كانت الشبكات الاجتماعية تمثل مصدر معلومات ضخم عنا وعن حياتنا، فإنها في الحقيقة إبرة في كومة قش عندما تنظر للمعلومات التي يمكن الحصول عليها من أجهزة الموبايل واستخدامنا لها بشكل يومي مكثف. مع انتشار أجهزة الهواتف الذكية التي تتضمن عددا كبيرا من التطبيقات التي بدأ الناس يدمنون على استخدامها في كل شأن من شؤون حياتهم، صار من الممكن معرفة كمية هائلة من المعلومات عن الشخص، ربما أحيانا أكثر مما يعرف هو عن نفسه. هذا كله جاء من تحول خدمات الGPS لتصبح أساسية في كل جهاز ذكي، وصار يبنى عليها كثيرا من التطبيقات، التي تأتي فائدتها من التعرف على مكان الشخص، فضلا عما تمنحه هذه التطبيقات من معلومات مكثفة عن اهتمامات الشخص وأنشطته اليومية وما يسمعه وما يشاهده. في دولة مثل أمريكا، حيث يتم استخدام التطبيقات الخاصة بالبنوك والمستشفيات والتسوق عبر الموبايل بشكل واسع، يمكن ربط رقم الموبايل بمعلومات عديدة عن الشخص مثل أنشطته المالية والشرائية ووضعه الصحي وغير ذلك. بل هناك أكثر من هذا، الذي يأتي من خلال القدرات التحليلية الهائلة لأجهزة الكمبيوتر التي تخزن كل هذه المعلومات. فمثلا من خلال ربط معلومات حركة الشخص اليومية بحركة أصدقائه، يمكن توقع مكانه بنسبة عالية حتى عندما يتخلى عن جهاز الموبايل، وذلك لأننا في الغالب نوجد في أماكن معينة مع أشخاص آخرين يوجدون في نفس الأماكن بشكل عام. هذه المعلومات يتم أحيانا ترتيبها من خلال خدمات متخصصة وبيعها للمعلنين وشركات التسويق المباشر أو للأجهزة الأمنية أو حتى للشركات الأمنية الخاصة التي تقدم خدمات معينة لعملائها وتشمل معلومات عن أشخاص آخرين يريدون معرفة المزيد عنهم لسبب ما. في الدول التي ارتفع فيها معدل استخدام أجهزة الموبايل الذكية بشكل كبير، أصبح هذا الموضوع مصدر قلق. خذ في بريطانيا مثلا، حيث يأتي استخدام الموبايل للمكالمات الهاتفية بالدرجة الخامسة بعد أربعة أنشطة أخرى هي بالترتيب: تصفح النت، تصفح الشبكات الاجتماعية، الألعاب الإلكترونية، وسماع الموسيقى، وذلك حسب دراسة قامت بها أحد شركات الاتصالات. وما الحل؟ هناك عشرات المقالات على الإنترنت التي تقدم حلولا لأولئك الأشخاص الذين يريدون الحفاظ على خصوصيتهم، ويمكن تلخيصها بشكل سريع أن الحل الأمثل هي ألا تمتلك جهاز موبايل ذكي أصلا، وإذا امتلكت جهازا عاديا فيجب ألا يكون مرتبطا باسمك لدى شركة الاتصالات، أما الحل الأفضل فهي أن تتقبل أنك تعيش في العراء حيث تراك آلاف مكبرات الصوت والصورة التي تطلع على حياتك وكل صغيرة وكبيرة فيها، وتمضي مثل البقية منا سعيدا بحياة ليس فيها أسرار…!