على امتداد حكم الإدارات الأمريكية لأكثر من أربعين رئيساً، دخل البيت الأبيض بهيئة مستشاريه ومهندسي سياسته الخارجية والداخلية، والقوة التي دفعت به إلى سدة الحكم سواء أكان من الحزب الجمهوري أم الديمقراطي، كانت الولاياتالمتحدة إلى جانب الصهيونية العالمية، إذ إنه قبل عام 1948 اقتصر الفعل الأمريكي على فهم ما تريده الصهيونية العالمية، من اعتراف دولي، بعد إيجاد (الوطن البديل) لليهود، وتسويق الادعاءات والأضاليل والأكاذيب، بما فيها من تشويه وتزوير للحقائق، وما تحمله من خرافات. وبعد عام 1948 اتجه الدعم الأمريكي ل (إسرائيل) إلى ميادين السياسة والمال والوسائل العسكرية، وحتى التدخل المباشر إلى جانبها ضد العرب، لأن العلاقة السرية جداً، والمحبوكة من قبل المخابرات الأمريكية مع الصهيونية العالمية، والاتفاق بينهما على إقامة (دولة إسرائيل) بدأت قبل عام 1948، وقبل قيام علاقة الألفة والتزاوج بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) وجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في 1951. وتعود القصة الحقيقية للعلاقات الأمريكية – الصهيونية إلى بدايات الهجرة الأوروبية للقارة الجديدة أمريكا، لأن الأوروبيين حملوا معهم بعض الصهاينة، وللدلالة على فعالية هؤلاء الصهاينة في الحياة الأمريكية، لا بد من الإشارة إلى أن مؤسسي أمريكا الحديثة، عندما أخذوا يناقشون فكرة شعار للولايات المتحدة، وقع اختيارهم على تصميم يمثل الإسرائيليين يعبرون البحر الأحمر، بينما موسى يقف على أحد جانبي البحر الذي انشق وفرعون يتبعه جنوده من الجانب الآخر. والسر في العلاقة التي تكاد أن تكون فريدة من نوعها، بين قوة عظمى، وبين كيان اصطنعته القوى الاستعمارية على الأرض العربية، بفعل الكذب والتزوير والتحوير للحقائق والتاريخ، لا يتعلق أبداً ، في تطابق المصالح الأمريكية مع المطامع الصهيونية في الأرض العربية كما يقولون، وليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد في المقولة الصهيونية، التي أراد الصهاينة تسويقها، وهي: أن (إسرائيل) كنز استراتيجي للولايات المتحدة، أو أنها امتداد للعالم الغربي الديمقراطي. وتجند الصهيونية العالمية ما تمتلكه من قوة إعلامية ودعائية واقتصادية وما لديها من تأثير سياسي ومادي لُتخضع العالم الغربي وعلى رأسه أمريكا، إلى مقولة (إسرائيل) كنز استراتيجي، أو امتداد لديمقراطيته، وفي الواقع يدرك الصهاينة قبل غيرهم، ويدرك الأمريكان والأوروبيون أن وجود (إسرائيل) عالة اقتصادية على دخلهم العام، وأنها عبء سياسي، وبالتالي فهي عبء عسكري، لا تتحمله قوى الغرب الأوروبي – الأمريكي وحسب، بل يهدد مصداقيتها في المنطقة، ويعرضها دائماً للاهتزاز العنيف والفوضى ومن ثم السقوط . إذاً أين يكمن سر العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية ؟ وهل هو نتيجة مباشرة لتأثير جماعات الضغط الصهيونية على مجريات القرار الأمريكي، أو هنالك عوامل وأسباب تضاف لوجود هذه الجماعات ؟. إنّ الذي يوجه السياسة الأمريكية هو جهاز المخابرات، سواء المخابرات الفدرالية أو المخابرات الخارجية، فانظروا ما فعلت لتوجيه كولن باول في مجلس الأمن حول أسلحة العراق، وانظروا ماذا صنعت تقاريرها لدى بوش لتزيين الأمر له لاحتلال العراق وهذا غيض من فيض، والمخابرات أينما وجدت هي مستودع الكذب وصانعته، وتعلم أتباعها على ممارسته، وتعمل على توجيه القادة وصانعي الرأي به، فكثير من الحكام غير الواثقين من أنفسهم، يعمدون لتعزيز دور الأجهزة المخابراتية في التدخل في صناعة قراراتهم. والخرافة التي استطاع الصهاينة الدخول إلى الحياة الأمريكية من خلالها، هي نفسها التي استمرت تمثل الأرضية للخداع والكذب والأضاليل، التي لا يزال الإنسان الأمريكي يئن تحت وطأتها مادياً وسياسياً ودينياً وأخلاقياً، وبالطريقة نفسها يستطيع أي باحث القول: إن الأمريكي بالنسبة للمنطقة العربية مشوه الثقافة، وجاهل في التاريخ، ولا يعرف من الجغرافية العربية إلا الصحراء، كما لا يدرك شيئاً من الثروات العربية بما فيها الحضارة والثقافة إلا النفط والجمل، وهذا يعني بوضوح أن أسلوب الكذب هو وحده السائد نتيجة للضغط الصهيوني، وتأثير هذا الضغط على وسائل الثقافة والمعرفة. وهذا الضغط وهذا الكذب الذي تدور الولاياتالمتحدة في رحاه، لا يعني أن الولاياتالمتحدة مظلومة أو هي ضحية هذا الضغط وهذا الكذب وحسب، بل هي تدرك أن (إسرائيل) هي امتداد لها وهي الولاية الواحدة والخمسون، وهي كما وصفها الرئيس السابق رونالد ريجان (كنز حقيقي) للولايات المتحدة، وأيضاً وصفها النائب الجمهوري ورئيس الكونجرس السابق نيوت جينجريتش: حاملة الطائرات الأمريكية في الشرق الأوسط. إذاً هناك تطابق أنجلو ساكسوني بينهما وتطابق كولونيالي جيوبوليتكي حقيقي، فهما مكملان لبعضهما البعض فيما يتعلق بالاحتلال والهيمنة والبقاء كأسياد للعالم، وأمريكا لولا صناعتها للأعداء كما يقول الرئيس السابق إيزنهاور لما صنعت القنابل، أي تحريك المعامل الضخمة من أجل التسويق ومشكلاته، والحقيقة التي يجب أن تعاد صياغتها، هي أن الولاياتالمتحدة بتبنيها للأيديولوجية الصهيونية في المنطقة، هي الشريك الحقيقي، وهي بمثابة (إسرائيل) الكبرى و(إسرائيل) هي الذراع العسكري لها في المنطقة، وبالتالي لا يمكن الفصل بينهما.