كنت قد توقفت في الجزء الأول من هذا المقال عند الرؤية الاستيعابية لمنح أية مدينة عاصمة للثقافة العربية كشهادة استحقاقية تنالها، على أن أتطرق هنا إلى المستقبل الثقافي لأي عاصمة ثقافية سيتم اختيارها في الدورة اللاحقة. فالمستقبل ينبغي أن يكون تنويريا أكثر منه شرفيا يكرس من خلاله دور المثقف العربي باعتباره كائنا ثقافيا مؤثرا في الخريطة العربية الثقافية وربما العالمية، والانصهار التام في خصوصية هذه الثقافة ذات الهوية المتعددة، وتعزيز هذا الانتماء ليبرهن على عمق المستوى الثقافي وتوسيع دائرة الحرية الثقافية وشمولية الخطاب بعيدا عن أدلجته دينيا وثقافيا. إن قنوات الفكر والإبداع لا تزال تضخ آليتها على استحياء بمعنى أن هذه القنوات لا تشارك في خضم هذه الفكرة إلا بمحدودية تكاد لا تدركها العقول على الرغم من أنها تمتلك وسائل الاتصال التي من شأنها أن توطن الثقافة العصرية وتصنع لها مستقبلا مزهوا في أي مجتمع ثقافي، وبالتالي نحن نتساءل كثيرا عن غياب دور بعض القنوات الفكرية والثقافية حينما يتم اختيار مدينة ما عاصمة للثقافة العربية والسؤال الذي يمكن أن يتم طرحه هو: هل السلطة العليا لهذه العاصمة أو تلك تضع قوانين صارمة لممارسة حرية الكلمة والإبداع؟ أظن أننا محكومون بتلك السلطة السياسية التي تحد من عملية الإبداع من خلال هذه الفكرة، بل وترغم العاصمة الثقافية العربية على استنساخ الأفكار المتداولة في العواصم الأخرى لتظل أفكارا روتينية غير قابلة للتطوير لأن يد القانون والضغوطات اختزلتها في غالب محدود، ولأن منطلق التطوير ينبع من الحرية حسب قول فيكتور هوجو: “حرروا الحرية، والحرية تقوم بالباقي”. فإننا أمام انحياز تام لحرية ثقافتنا وانفتاحها على الثقافات الأخرى لتحقيق القيمة الثقافية للعاصمة العربية المختارة.