أتذكر الآن كيف استيقظتُ من النوم وأنا بين ذراعي أبي وكان يركض بي إلى الغرفة التي كنا نسميها “مخزناً”. كانت أمي تركض خلفه، وبعد أن دخلنا جميعاً، أغلق أبي الباب ووضع شرائط لاصقة على حوافه من الداخل. لم تكن هناك نافذة، وكان الضوء ينبعثُ من مصباح يدوي كان أبي يحمله بيده اليمنى. سمعت أمي تدعو الله دعاءً حاراً، وسمعت أبي وهو يشتم الحرب. ضمّتني أمي إلى صدرها، فنمت. وعندما صحوت، وجدتني في فراشي. – هل كنتُ أحلم يا ماما؟! فهمَتْ أمي قصدي. مسَحَتْ على شعري بحنان، ثم قالت. – لا يا حبيبي، لم تكن تحلم. سألتها. – لماذا اختبأتم داخل المخزن؟! لم تُجِبْني أمي. لقد شرَدَتْ بأفكارها وهي تمسح على شعري. سألتها مرة أخرى. – هل أبي جبان؟! – لا يا بني. أبوك يخاف عليك. – ممَ يخاف عليّ؟! وسكتت أمي مرة أخرى. ••• صعدت إلى السطح، وأخرجتُ صديقتي الحمامة من القفص الخشبي. صرت كعادتي أطيّرها في الفضاء ثم أنثر لها الحب على طرف الجدار. تحط صديقتي الحمامة على طرف الجدار لتلتقط بمنقارها الحَبّ. أمسح بكفيّ على ريشها، فتقفز على كتفي. كم أحِبّ حمامتي. ••• قلت لصديقي الذي يسكن بجوارنا. – هل يخاف أبوك من الحرب؟! صرخ. – لا، إنه لا يخاف. أجبته. – وأبي كذلك لا يخاف. ••• على الغداء، قال لي أبي. – أريد أن أقول لك شيئاً يا بني. أحسسته متردداً قليلاً، وأحسست أمي تطالعه بقلق. – أنا لست جباناً يا بني، لكن الحرب مدمّرة. حين تنطلق صفارات الإنذار يجب أن نركض إلى المخبأ لكي نحمي أنفسنا، وعندما تنتهي الحرب سيعود كل شيء إلى حاله. رميت ملعقتي، وركضت إلى السطح. فتحت القفص الخشبي ثم أخرجت صديقتي الحمامة، ونزلت بها إلى غرفتي. – ستعيشين معي يا صديقتي إلى أن تنتهي الحرب. عندما سمعتْ صديقتي الحمامة كلمة الحرب، تكوّمتْ على بعضها وانكمش ريشها.