ألقت الاشتباكات الأخيرة في تونس، التي أعقبت معرضاً للفن التشكيلي في قصر العبدلية اعتُبِر مسيئاً للإسلام، الضوء على دور اليسار الشيوعي في أحداث العنف التي تشهدها البلاد كطرفٍ يُجمع مراقبون محايدون وآخرون منتمون للتيار الإسلامي للمشهد السياسي في البلاد على مشاركته في صناعة العنف باستفزازه الأصوليين، وعدم تصالحه مع الدين الإسلامي، وتعمد توجيه الإهانة للمقدسات الدينية وإحراج حكومة حركة النهضة الإسلامية. في المقابل، يرى سياسيون شيوعيون في تونس أن الأحداث الأخيرة ما هي إلا معركة تشعلها جهات رأسمالية للالتفاف على ثورة 14 يناير وتوظيف الدين لإحداث فتنة في المجتمع. أخطاء اليسار الشيوعي وتُعرَف الحركة الشيوعية في تونس بأنها لعبت دوراً ريادياً في مجابهة الديكتاتورية في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، كما شكلت لوناً مهماً من ألوان الطيف السياسي التونسي قبل ثورة 14 يناير. وتعود بداية الحركة الشيوعية في تونس إلى عشرينيات القرن الماضي، إذ وُجدت قبل معظم التيارات السياسية بشكلها الحالي، وتعددت مساراتها وبرامجها وكَثُر مناضلوها وقدمت البعض من أبنائها قرباناً للحرية. ورغم تاريخها الثري، تشتتت الحركة الشيوعية فكرياً وسياسياً وتعددت الأحزاب التي تحمل لواء الفكر الماركسي، ولم تتمكن من الفوز بثقة الشعب التونسي ولا حتى حصلت على عدد مقاعد مشرف في أول انتخابات نزيهة تشهدها تونس بعد الثورة. ويُرجع مراقبون في تونس فشل الحركة والأحزاب الشيوعية في كسب قاعدة شعبية إلى عدة أخطاء، إذ لم يتمكن اليسار الماركسي من التصالح مع الدين الإسلامي، ولا جدد قراءته للدين وطبيعة علاقته بالمجتمع العربي والتونسي، فمثَّل ذلك أول عائق اصطدمت به الحركة الشيوعية وأحزابها في مواجهتها للواقع. كذلك يعاني الخطاب السياسي للأحزاب الشيوعية في تونس من النخبوية والبعد عن المواطن البسيط الذي لا يهمه سوى قوت يومه وصون كرامته، وهو ما زاد من ابتعاد اليسار الماركسي عن هموم الناس، فظلت الشيوعية أسيرة مبادئ مثالية لا يوجد لها أساس غير كتب ماركس ولينين. الشيوعيون يدافعون عن أنفسهم من جانبه، يرى الناطق الرسمي باسم الشباب الشيوعي التونسي، أيوب عمارة، أن الحديث عن خطر شيوعي يهدد الإسلام في تونس هو حديثٌ لا أساس له من الصحة. ويكمل «الخوف اليوم في تونس ليس على الإسلام بقدر ما هو الخوف من العصابات والنظام المافيوي الجديد الذي يسرق ثورة الشعب»، معتبراً أن الصراع اليوم هو صراع عصابات رأسمالية تريد الاستحواذ على الكل «وما الأحداث الأخيرة وتوظيف الصراع الديني في داخلها إلا ذر لرماد في العيون لإلهاء الشعب من أجل تمرير سياسات اقتصادية تزيد في فقر المفقر وتجويع الجائع»، حسب رؤيته. ويتفق مع هذه الرؤية الناشط الشيوعي البارز في تونس حمة الهمامي، الذي يعتقد أن الأحداث الأخيرة التي تمر بالبلاد بالغة الخطورة بغض النظر عن العناوين التي أخذتها، قائلاً «هي تندرج في سياق مخطط دنيء يهدف الى إرباك الشعب التونسي ومقايضته بأمنه وحريته، وبالتالي إعادته إلى أحضان الدكتاتورية والاستبداد». ويتهم الهمامي بقايا النظام السابق وبعض الجهات الأجنبية والعربية بالوقوف وراء هذا المخطط لتفتيت وحدة الشعوب، متوجهاً بنداءٍ إلى شباب التيارات السلفية، وداعياً إياهم إلى الحذر من توظيف مشاعرهم الدينية واستعمالها وقود معركة واستخدامهم كبيادق لمحاربة شعبهم. ولكن على الجهة الأخرى، يؤكد محمد أمين، أحد قيادات الشباب السلفي في تونس، أن ممارسة اليسار للإرهاب الفكري تجاه مشاعر المسلمين والمسّ من مقدساتهم بشكل متكرر يزكي نار الفتنة والمواجهة بين أغلبية مسلمة وأقلية حداثية ولاؤها للغرب. ويعتقد أمين أن ما تشهده تونس اليوم ليس إلا رقصة الديك المذبوح بالنسبة لليسار، «فما تطاوله على مقدسات المسلمين إلا دليل على فقدانه للبرنامج والبديل الذي يقدمه للشعب»، وفق وجهة نظره. إرث بن علي وتعاني الأحزاب الشيوعية في تونس ليس فقط من عدم التصالح مع الإسلام، وإنما أيضاً من تبعات تعاونٍ خلال السنوات الماضية مع نظام بن علي، إذ خرج بعضها عن المسار النضالي واندمج في النظام وتبنى عديداً من مقولاته السياسية وإن صبغها بصبغة بروليتارية، فحركة التجديد أو ما كان يُعرَف قبل سنة 1993 بالحزب الشيوعي التونسي لم يكن سوى ديكور يزيِّن ما كان يصدره بن علي للخارج على أنه الديمقراطية التونسية. وفي السياق ذاته، تخلت عديد من الشخصيات والأفراد المحسوبين على الحركة الشيوعية عن رصيدهم النضالي مقابل مناصب وأدوار في النظام السابق، وزادت نسبة الشيوعيين الداخلين في صلب منظومة بن علي السياسية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، مقابل ما بدا لهم على أنه «مد إسلامي ظلامي رجعي». أيوب عمارة الناطق باسم الشباب الشيوعي (تصوير: علي القربوسي)