يحتاج كل بلد إلى رجال يمتلكون التوازنات في سياساتهم، وعدم التسرع في إصدار القرارات والأحكام خصوصاً في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبلدنا يمتلك هذه الميزة بوجود قيادات ورموز سياسة ذات توازنات في جميع القضايا التي تهم الوطن وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله. بالأمس القريب ترجل فارس الأمن والسياسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- ولي العهد ووزير الداخلية وأحد قامات هذا البلد وأهم رموزه، الذي اشتهر بتوازناته ووسطيته وحكمته في التعامل مع أهم القضايا حساسية وأهمية. رحل الأمير نايف وذكراه سوف تظل محفورة في قلوبنا جميعاً، وأجزم بأن الكل في المملكة رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، لن ينسوا نايف بن عبدالعزيز الذي أمضى ما يقرب من الستين عاماً أو أكثر تقلد خلالها مناصب عديدة حفلت تلك الفترة بإنجازات باهرة تشهد وتدل على حنكته وقوة شخصيته التي حازت على إعجاب كثير من الناس ممن عرفوا الأمير نايف بن عبدالعزيز عن قرب أو ممن سمعوا عنه أو ممن قرأوا عنه، وكذلك شهدت تلك الفترة جملة من المخاطر والأحداث الجسام التي كادت أن تعصف بالوطن لولا حِفظُ الله ثم حنكة سموه رحمه الله، فالإرهاب كان يضرب بأطنابه جميع أنحاء المملكة؛ حيث كانت هذه القضية تُشكل هاجساً يقلق كل أبناء المملكة فجند لها سموه كل إمكانات البلاد لتجفيف ينابيع الإرهاب والقضاء على معتنقي الأفكار الضالة التي اُبتليت بها فئة من شباب هذا الوطن واستطاع خلال فترة من الزمن أن يقضي على هذا الفكر الضال المنحرف وأن يعيد إلى البلاد أمنها واستقرارها، وإلى جانب ذلك كان سموه مسؤولاً عن ملف الهيئة العليا للحج والعمرة، وكان يشرف على توفير كل الإمكانات وتذليل كل العقبات أمام حجاج بيت الله ومعتمريه، بحيث يؤدوا مناسكهم براحة وسكينة وطمأنينة وهي سياسة نالت وحظيت بإعجاب كل الناس بالداخل والخارج وجعلتهُم يُكبرون لهذه البلاد دورها الريادي في خدمة الإسلام والمسلمين.وله -رحمه الله- اهتمامات كبيرة بالحوار، حيث كان يشجع دائماً على نشر ثقافة الحوار، واستخدام لغة الحوار في المنابر الإعلامية وغيرها، وما مركز المناصحة الذي أمر به -رحمه الله- إلا دليل على إيمانه العميق بفكرة الحوار؛ لأن مركز المناصحة يعتمد أصلاً على الحوار والإقناع؛ لذا تمكن أعضاء المركز من تصحيح مفاهيم كثير من الموقوفين عن طريق الحوار وإقناعهم بترك تلك المعتقدات الخاطئة وقد نجحت فكرته -رحمه الله- فرجع كثيرون إلى جادة الصواب وفي فترة وجيزة جداً.إن فقد الأمير نايف بن عبدالعزيز هو خسارة لا شك كبيرة للأمة الإسلامية جمعاء؛ لأن إنجازاته وعطاءاته تدل على عظم هذا الرجل وعظم ما قدم لهذه الأمة وستظل عالقة في أذهان الأجيال يتناقلونها جيلاً بعد جيل، لقد رحل ولي العهد سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز جسداً لكن روحه وإنجازاته ستظل في أذهان كل السعوديين الذين ذرفوا الدموع الغزيرة حزناً عليه، ويكفي ما ننعم به من أمن وأمان فهذا أعظم إنجاز لهذا الراحل. لقد عُرف عن الفقيد حبه للعمل بصمت والبعد عن الأضواء والإعلام إلا أننا نعرف فارسنا الكبير وندرك حجم الجهود والتضحيات التي قدمها لبلاده في ملفات كثيرة ومهمة وفي مراحل معقدة، وكان الفقيد -رحمه الله- يدرك بإيمان حقيقي أن المراحل تتفاوت والمعطيات تتغير، لكن الأولويات ثابتة لا تتزحزح وهي الدين والوطن، ونقول بكل وضوح: إنه حملٌ ثقيل تركه قائد عظيم في أعناق أبناء شعبه، وعزاؤنا أن هذا هو قدر الله وإرادته التي ترضخ أنفسنا لها بكل اليقين والرضا. وإذا كنا فقدنا قامة بمثل نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- فإن ينابيع الرجال لا تنضب وخصوصاً في بلدنا، فقد تم اختيار صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد ليحل محل أخيه نايف ويصبح الرجل الثاني في الوطن. إذا سيد منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول. والأمير سلمان رجل معروف لكل السعوديين فالسنوات الطويلة التي أمضاها أميراً لقلب المملكة النابض -مدينة الرياض- جعلته يتعرف على مجتمع المملكة ونسيجها الاجتماعي عن قرب، كما كان مستشاراً ومعيناً لإخوانه الملوك السابقين وكذلك الملك عبدالله -حفظه الله- ويمتلك ولي العهد الجديد رصيداً من العلاقات الدولية المتميزة مع رؤساء الدول سواء العربية أو الغربية، ومعروف عنه أنه يشتهر بالحكمة والسياسة والفطنة، كما اُشتهر عنه أيضاً بمحافظته على التوازنات سواء الوطنية أو الإقليمية، ويمتاز بالحزم في الأوقات التي تتطلب الحزم، واللين والرضا في مواضع اللين والهدوء. ويتميز الأمير سلمان أيضاً بمساهماته الفكرية والثقافية وخصوصاً في التاريخ؛ حيث لُقب (بأمير التاريخ) وهو يستحق هذا اللقب؛ لأنه مُلم بالتاريخ عموماً وتاريخ المملكة خصوصاً. كما لصاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز سجل حافل بالعطاءات والتميز حيث تم تعيينه وزيراً للداخلية خلفاً لأخيه الأمير الراحل -رحمه الله- ويمتاز الأمير أحمد بمزايا كثيرة أهمها حفظه للتوازنات الداخلية، فهو رجل يعمل بصمت ولا يحب الأضواء إنما يجعل أعماله هي التي تتحدث عنه، وقد أعطته السنون الطويلة التي رافق فيها الأمير الراحل وعمل معه كنائب له في الوزارة الخبرة والحنكة في التعامل مع القضايا المهمة والحساسة، والتعامل مع مختلف شرائح المجتمع بسواسية ودون تفاضل أحد على أحد. وختاماً رحم الله أميرنا الراحل وأسكنه فسيح جناته، ووفق الله ولي عهدنا الجديد الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ووزير الداخلية الأمير أحمد بن عبدالعزيز في منصبيها وفي خدمة دينهما ومليكهما ووطنهما.