في الاجتماع الثاني للمجلس الاستشاري لمركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب في جدة الأسبوع الماضي، أكد خادم الحرمين الشريفين أن «تحدي مكافحة الإرهاب لا يمكن مواجهته إلاّ من خلال وضع المجتمع الدولي استراتيجيات شاملة ومتكاملة ومدعومة، فمكافحة الإرهاب تعد مسؤولية دولية مشتركة تتطلب أعلى درجات التنسيق والتعاون بين أعضاء المجتمع الدولي». الملك عبدالله محق في كلامه، لأن الجهود الأمنية، مهما كانت فعاليتها ويقظتها، لا يمكن أن تحقق النجاح المطلوب إذا لم يرافقها عمل فكري كبير ومتطور ومستمر، فربما يصل المحققون إلى كل ما يريدون وما لا يريدون من معلومات، فقد يجدون بعد كل تحقيق شركاء آخرين، وقد (يكبسون) قدور المخططات التي تطبخ في الجحور وفي الشقوق على نار هادئة وغير هادئة. ربما يتسنى لهم أن يخترقوا صفوف تنظيمات سرية جديدة ويحكموا قبضتهم عليها. ربما ينجحون في دهم خلايا نائمة والإمساك بها خلية خلية قبل أن تفرك عينيها وتستيقظ لمباشرة بشاعاتها ضد البلاد والعباد… وربما أيضاً يعثر المحققون على أسلحة من كل نوع ويتمكنون من مصادرتها وإفشال برنامج (الفظاعات) الذي تهيأ للقيام به ضد الأبرياء. لكن هل سيكون المستهدفون بحسب مزاعم خصومهم، ومن سيصادفهم هذا التهور، والوطن ككل، في مأمن من هذا الطيش السافر والجنون غير الجميل؟! الإرهاب خطاب معتم اسمه (التعصب)، في بهمة الليل يخفي قتامته، وعندما تشرق الشمس يخرج متنكراً في الزي الأبيض، يبهرك الشكل الذي يلبسه من شدة اللمعان ولأنه يحيلك بشكله، بخارجه إلى مرحلة زاهية فإنك تتعلق به وتصدقه. فيما هو قد أفرغ جوهر تلك المرحلة ودس شيئاً مكانه. هل تريد أن «تقبض» عليه؟ لن نستطيع مهما فعلنا وحاولنا، لأن التعصب لا يستقر في مكان ولأنه ينوع من غزواته ومن هجماته، فقد يأتينا عبر شريط وقد يتسلل إليك من خلال المايكروفون وقد ينفث ما يريد في صفحات بيضاء وقد يملأ به عموداً صحفياً أو مجلة كاملة، فهل سنحطم ونحرق كل ذلك؟ سنكون مثله إذاً! ويكون قد سرب إلينا العدوى، فليست الأشرطة كلها مثل شريطه وليست المايكروفونات والكتب والصحف والمجلات بذات الشر والظلامية. كل ما علينا اليوم هو أن نواصل مواجهة فكرته بفكرة مضادة، الشريط بالشريط، الكتاب بالكتاب، والمايكروفون بالمايكروفون. لا نسمح للتعصب أن يقضي على البقية الباقية من شباب محروم، يوهمهم أن الدم قربى إلى الله، فينطلقون كالثيران الهائجة يدمرون، يحطمون ويقتلعون ويقتلون. بل يجب أن نقذف عليه الحق ليدمغه ويزهق فوراً. أي والله سيزهق، حين نعبد الله وحده لا شريك له ولا نعبد الأفكار والأشخاص حتى لا تخر من السماء فتخطفك الطير أو تهوي بك الريح في مكان سحيق.