يصوِّت حمص إبراهيم، السبعيني الذي يرتدي جلبابا رماديا ويلف رأسه بعمامة بيضاء، للمرة الأولى في حياته في انتخابات رئاسية حرة في قريته الزراعية “نامول” التي يحلم سكانها الذين يعيش الكثير منهم في فقر شديد بالعمل والأمن وظروف معيشية أفضل. ويقول هذا الرجل المسن وهو يصعد الدرج إلى مكتب الاقتراع بأحد فصول مدرسة القرية الواقعة في دلتا النيل “أتمنى أن نرى تغييرات كبيرة وأن يتخذ الرئيس الجديد إجراءات ملموسة حتى يتمكن الناس من الحصول على مياه الشرب والتعليم ونظام صحي جيد”.في هذه المدرسة تدل الجدران المتداعية غير المطلية والفناء الترابي ودور المياه التي يكاد يستحيل استخدامها من سوء الحال وشدة القذارة، على مدى الإهمال الذي عانت منه في السنوات الأخيرة منشآت الجهاز التعليمي في مصر التي يعاني 40 % من سكانها من الأمية. وحتى يتمكن الجميع من الإدلاء بأصواتهم دون تدخل طرف آخر. تحمل استمارة التصويت الطويلة إضافة إلى اسم المرشح صورته ورمزه الانتخابي، فمثلا رمز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي هو الميزان والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الشمس وآخر رئيس وزراء لمبارك أحمد شفيق السلم والمرشح الناصري حمدين صباحي النسر والإسلامي المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح الحصان. وهكذا ليس على الناخبين سوى وضع علامة على اسم مرشحه قبل أن يغمس إصبعه في الحبر الفوسفوري للتأكد من أنه أدلى بصوته. سميرة سعيد محمد، التي تلف رأسها بوشاح أسود اختارت أحمد شفيق الذي تأمل أن يتمكن من “حل الكثير من مشاكل البلاد”. وتقول غاضبة “الكثير من الناس عاطلون عن العمل والشباب يتخرجون من الجامعة أو الثانوية ولا يجدون عملا” مشيرة إلى ابنتها ذات العشرين عاما التي تبحث عن عمل منذ تخرجها من المدرسة قبل عامين. وارتفعت نسبة البطالة، التي كانت عالية بالفعل في عهد مبارك (9 %)، إلى 12 % منذ ثورة 25 يناير بل ووصلت إلى 24 % لدى الشباب في ظل اقتصاد بطيء. وتشكو سميرة من صعوبة الحياة اليومية مع ضرورة توفير لقمة العيش لخمسة أفواه بدخل زوجها الذي لا يزيد عن عشرين جنيها يوميا (نحو 2.60 يورو) عندما يحالفه الحظ ويعمل في الزراعة إضافة إلى راتبها كعاملة منزل الذي يبلغ 150 جنيها أسبوعيا، لكنها تعترف بأنها أسعد حالا من الكثير من أبناء القرية. وعلى بعد بضع خطوات من المدرسة يحرص شردح فرج على إظهار ورشته الصغيرة لإصلاح إطارات العربات المقامة على قارعة الطريق، و يقول شردح “آمل أن يأتي عهد جديد، بعد أن أخذ مبارك أموال البلد كلها”. وأضاف “بعض الأيام لا أجني شيئا وأحيانا أحصل على عشرة جنيهات وأحيانا عشرين جنيها، انتظر من الرئيس الجديد أن يوفر العمل للجميع” وأن يتحسن الوضع الاقتصادي حتى “أتمكن من إطعام أبنائي الخمسة”. وبينما تسير عملية الاقتراع بلا مشاكل ويدور النقاش بين الجميع في هدؤ تندلع فجأة مشادة بين أنصار مرشحين مختلفين. بدوره، بدأ النائب عمرو حمزاوي الذي جاء يزور القرية كمراقب في نزع ملصق لأحد المرشحين بسبب مخالفة ذلك لفترة الصمت الانتخابي. وفي الشوارع القريبة التي يعمل نصف سكانها في الزراعة والباقي كعمال تشاهد الدراجات النارية الجديدة وهي تمر بين الحمير التي تنقل الأهالي والأطفال في مشهد يعكس النمو المتفاوت، فيما يسير بعض الأطفال حفاة على الأرض المغطاة بالفضلات والقاذورات. رضا رشاد صاحب محل القماش الذي تتوسط جبينه زبيبة داكنة يريد وضع حد للفوارق التي سادت في عهد مبارك لكن عودة الأمن هي أهم ما يريده. ويوضح أنه لم يعد يجرؤ على الخروج من منزله بعد هبوط الظلام بسبب السرقات والاعتداءات التي تزايدت منذ الثورة آملا أن يغير الرئيس الجديد كل هذا، لكنه يقر بأنه لم يلمس “أي تغيير حتى الآن”. سيدات يصوتن في وجود مراقبين من منظمات أجنبية (أ ف ب) مسن يصر على التصويت وجندي يحاول مساعدته.. وفي الإطار سيدات يصوتن في وجود مراقبين أجانب (أ ف ب)