باعد بين ساقيه تاركاً للريح أن تمر وكأنها ستحمله لمكان ما كسحابة لكنه لن يقوم بالدور كاملاً فلن يمطر.. الرجل المسكون بحلم التبخر يجادل الريح لأن تكثفه ثم يتبخر. الهم الساكن بقلبه يحمله كعربة الأمتعة في مطار يضج بالراحلين سيكون كافياً عليه أن يتبخر بنوبة شمس، أو أي فعل ليخلص، فيزيائية التبخر في فهمه عجيبة لا تقوم على أسس، واليوم بات على مقربة منه.. ومن يدري لعله مع الفجر يكون قد اكتمل الهوس؟. التبخر ليس موتاً – هكذا أقنع نفسه -، تحوله لشيء يصعد بانسياب حياة أخرى، أو لعله يسوق الحياة لحالمين مثله بالتبخر وليلحقوا به في السرب. ذات حلم صيفي وجد نفسه أفقاً أزرق لمحيط يقارع غابة خضراء، وتحت شمس استوائية، ودفء المياه أسفله بدأ بالتلاشي، كان يغلي كقدر ماء امتلأ جبينه بالفقاعات، وانتفخ صدره كبالون، أصوات رواد الشاطئ بدأت بالخفوت ولم يعد يسمع سوى صوت الغليان لم يشعر بحرق يأكل أطرافه، الموج يتدافع وكأنه تلاميذ أمام باب الخروج. التبخر كان أمنية ولم يكن نزوة شباب مع معاودته له كل ليلة طرأ في باله أن التبخر بمقدوره مداواة المرضى.. مرضى الهم.. مرضى ماء العيون.. مرضى الصدور ومرضى الفكر الذي تآكل بفعل الصدأ.. جرب بدء التلاشي به وها هو ينجح في علاجه.. سيعود ماء وينسج من جديد.. وجودية جديدة أو هذيان حلم به وتحقق..؟! ما بعد الحلم حاول أن يعود نفسه على أنه شاب جديد لا تميعه ابتسامة ولا نظرة تسقط على وجهه فتنبت في صدره وردة، روى لأصحابه تبخره الليلي وعودته مع الصباح كائناً جديداً، سخروا منه، ونالوا من الهلام الذي يتوكأ عليه في باطنه.. حسن صديقه رق له وأمره باختصار: أن يبتعد عن غلي الشاي في استراحة الأصحاب، خاف من تغيرهم عليه، فأقام قدراً في غيابهم أوقد ناره تعرى ونزله باركه الماء بالغليان وتسلق السماء جزءاً من سحابة تبرق ولا تهطل على الأغبياء..!