شكلت نتائج الانتخابات البرلمانية في الجزائر صدمة قوية للإسلاميين عموماً و”التكتل الأخضر”، الذي يضم حركات مجتمع السلم والنهضة والإصلاح الوطني، خصوصاً، إذ لم تتمكن قوى الإسلام السياسي الجزائرية من تحقيق مبتغاها والصعود إلى صدارة المشهد السياسي على غرار ما جرى في مصر وتونس والمغرب مكتفيةً ب 59 مقعداً فيما ذهبت المقدمة لحزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي. الإسلاميون: خَسِرنا بالتزوير بدوره، أرجع رئيس حركة الإصلاح الوطني، حملاوي عكوشي، هذه الهزيمة إلى ما أسماه “التزوير المنظم والشامل في بعض الولايات”، وبأسى كبير قال عكوشي “نعتقد أننا ضحايا التزوير الذي طالما حذرنا من الوقوع فيه، ومع ذلك تجرأت السلطة لمرة أخرى على تزوير إرادة الشعب الجزائري”. وكشف عكوشي، في حديثه ل”الشرق”، أن عملية فرز الأصوات بيَّنت تقدم تكتل الجزائر الخضراء في عددٍ من الولايات ثم فوجئ الجميع في اليوم التالي بتغير النتائج، وأضاف “كان التكتل في المرتبة الثانية في ولايات عديدة بعد جبهة التحرير الوطني ليتدحرج بفعل فاعل إلى المرتبة الثالثة مع سرقة مقاعده لصالح أحزاب محددة، حُرمِنا من أي مقعد في نحو 26 ولاية من أصل 48 حتى في أبرز معاقلنا أخذنا صفرا”. وأصر رئيس حركة الإصلاح على القول إن الشعب الجزائري التف حول التكتل الإسلامي ومرشحيه، “ولكن رغبة بعض دوائر النظام عملت على إجهاض هذه التجربة الديمقراطية وكرست استمرارية إرادة التزوير على حساب رغبة الناخب الجزائري”، حسب قوله. من جهته، وصف زعيم جبهة العدالة والتنمية الإسلامية، الشيخ عبدالله جاب الله، ما حدث ب “مسرحية انتخابية نتائجها مُرتَّبة سلفا”، ويرى أن تضخيم الدولة من نسب المشاركة في الاقتراع كان مؤشراً واضحاً على رغبتها في التزوير لصالح جبهة التحرير الوطني. وقال جاب الله “رتبوا النتائج بحسب رغبتهم فرفعوا من يشاؤون ووضعوا من يشاؤون”، متسائلاً “كيف لحزب يعيش هزات داخلية مازالت ارتداداتها مستمرة (التحرير الوطني) إلى يومنا هذا أن يحصد هذا العدد الكبير من المقاعد في حين أنه وفي عز قوته لم يتمكن من تحقيق مواقع متقدمة في الخريطة السياسية؟”. وتابع “الانتخابات التي كنا نأمل في تنظيمها لم تحدث، ووقع التلاعب بها، هم أدركوا أن الإسلاميين سيكتسحون هذه الانتخابات فسرقوا منا هذا الفوز”، لكنه اعترف أيضاً بأن نداء المقاطعة الذي أطلقته الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان له تأثير واضح على الصوت الإسلامي. ربيعي: مهزلة انتخابية من جانبه، قال أحد قادة التكتل الأخضر فاتح ربيعي متهكما “كنا على وشك الفوز بالضربة القاضية أو بالنقاط، فإذا بالعملية برمتها تتحول إلى مجرد مهزلة انتخابية”، ولفت إلى أن النتائج المعلن عنها “لا تعكس حقيقة وعاء التيار الإسلامي المعروف لدى العام والخاص ولكن إرادة التزوير كانت فوق كل الاعتبارات”. وأكمل “بقدر ما كنا نأمل في تحقيق نتائج تعكس حجمنا الحقيقي في الشارع الجزائري نجد أنفسنا أمام واقع صنعته الإدارة”، وعن مسار العملية الانتخابية بيَّن ربيعي أن الساعات الأولى لعملية الفرز وضعت التكتل الإسلامي في المرتبة الثانية ثم تزحزح إلى المرتبة الثالثة، وهو ما منح الصدارة لجهات حكمت البلاد لخمسين سنة، حسب قوله، وأضاف “كنا نطمح أن يحكم الجزائر بمناسبة خمسينية الاستقلال جيل جديد لا ينكر منجزات الجيل السابق ولا يتنكر له، لكن التزوير جعل ربيعنا مؤجلا إلى حين”، محمِّلا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والجهات التي أشرفت على الانتخابات المسؤولية عن النتائج. أما القيادي في “مجتمع السلم”، كمال ميدة، فيرفض اتهام الإسلاميين بالفشل وبمفردهم، واتهم قوى بتدبير هذا الاخفاق، معدا أن الفشل طال الجميع من إسلاميين وديمقراطيين وعلمانيين، “فالجميع ندد بهذه الانتخابات وطريقة تنظيمها وحتى النتائج لأنها لم تعكس حجم كل حزب وكل تيار سياسي”، حسب قوله. ورفض ميدة العزف على نفس موجة الحكومة ووزير الداخلية التي قالت إن الجزائر بمنأى عن التغيير وعن “ربيع الإسلاميين”، ووصف النتائج بأنها “نتيجة حسابات سياسية وأجندة معينة تركز على تخويف الناس من التصويت للإسلاميين على خلفية تجربة عام 1992 حينما أُلغِيَت الانتخابات بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد ثم دخلت البلاد سنواتٍ من العنف”. أخطاء الإسلاميين في المقابل، يعتقد عددٌ من المراقبين لشأن التيار الإسلامي أن النتيجة المخيِّبة التي حققها في الموعد النيابي جاءت نتيجة لسياسات خاطئة مارستها مكوناته مؤخرا، فبعضها اندمج في مشروع السلطة وتنازل عن برنامجه وقبيل الانتخابات قرر فك ارتباطه مع أحزاب السلطة، وهو ما فعلته حركة مجتمع السلم. كما أرجع المراقبون الهزيمة أيضا إلى وقوع انقسامات داخل الصف الإسلامي أفرزت أحزاب جديدة كجبهة التغيير والعدالة والتنمية، وهو ما أدى إلى تفتت الصوت الإسلامي بين أكثر من قائمة كلها تصارعت على نفس الكتلة التصويتية، فضلا عن الانقسامات كما هو الشأن في حركتي مجتمع السلم والإصلاح الوطني التي انشقت عنها أحزاب جديدة مثل “جبهة التغيير” و”جبهة العدالة والتنمية” بزعامة عبدالله جاب الله.