بين المواطنين في دول الخليج العربية علاقات ضاربة في التاريخ، موغلة في القدم، حتى أن المناطق الحدودية تتقاسم عشائر لا حصر لها. وليس غريباً أن تجد سعودياً في الخفجي له ابن عمّ في الكويت أو الجهراء، أو سعودياً آخر في الدمام يزوره أبناء عمومته من المنامة أو المحرق، أو سعودياً ثالثاً في الهفوف يحدثك عن أهله في مدينة قطرية.. وهكذا في بقية الدول الخليجية التي تقاسمت تاريخاً واحداً على مدى التاريخ. وحين تأسس مجلس التعاون الخليجي مطلع القرن الهجري الحالي؛ كان ذلك تعبيراً أولياً عن العلاقات المتداخلة بين دول المجلس، وهي علاقات ديموغرافية وحضارية وتاريخية وثقافية واجتماعية. وأضاف المجلس إلى ذلك كله بُنية سياسية أولية تعبر عن الشراكة والتكامل الذي يُمكن أن يتطوّر مع التجربة. وحين كشف خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – في لقاء القمة الأخير عن المقترح التاريخي الرامي إلى تطوير العلاقات الخليجية البينية إلى مستوى “اتحاد”؛ فإن ذلك انطوى على مشروع كبير يعبّر عن طموحات المواطنين الخليجيين أنفسهم، ويرجّح أولوية التقارب السياسي على نحو غير مسبوق. وفضلاً عن ذلك؛ فإن في هذا الاتحاد بناء كُتلة سياسية ذات وزن دولي أهم، خاصة مع نشوء وتكامل التكتلات السياسية في العالم، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي الذي قدم للعالم نموذجاً حيوياً للاتحاد السياسي والاقتصادي، على الرغم من الاختلافات الحادة بين دوله. وفي منطقة الخليج؛ هناك قواسم مشتركة أكثر متانة بين دوله العربية، فهناك روابط الدين واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، فضلاً عن المصالح الاقتصادية المشتركة، والإحساس بالمصير التاريخي الواحد، وهذا كله من شأنه أن يجعل من الاتحاد الخليجي ممارسة طبيعية وغير مفتعلة، بل إنه إقرار سياسي لما هو قائم بين شعوب المنطقة وقياداتها التاريخية. إن الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط بمجملها تشير إلى ضرورة قيام هذا الاتحاد لتكون دول الخليج العربي كياناً سياسياً أكثر تماسكاً بين أعضائه، وقد ثبت ذلك خلال العقود الثلاثة الماضية من خلال تجربة المجلس الذي خاض تجارب صعبة ومعقدة جرّاء الأحداث الكبرى التي مرت بها منطقة الخليج، خاصة الحروب الثلاثة التي تضررت منها دول المجلس، وكذلك تموجات سوق النفط الدولية، فضلاً عن الرياح الأيديولوجية غير المريحة التي مرّت على المنطقة. والمنطق السياسي الناجع يرجح ضرورة وجود اتحاد خليجي يحكم المصالح المشتركة على نحو أكثر عمقاً من تجربة المجلس.