صديقي معاذ مملوء بالحكمة وتجارب الحياة، صداقتي معه تمتد أكثر من أربعين عاماً، منذ أن كان طالب ثانوية وكنت طالب جامعة؛ فجمعنا عالم الأفكار، ومازال وفياً لي مساعداً في اللهفات والملمات وضيق ذات اليد، فهذه هي الصداقة، ستر العورة والثغرة والدين والحاجة. لم يخيب ظني أبداً وبقي في مكان حسن الظن دوماً، وهي عملة نادرة في هذا العالم الفاني. اجتمعت به أخيراً فضحك كعادته وقال سأقرأ عليك شعراً وهو ليس بالشاعر. أصغيت له فأعطاني حكمة جديدة عن الفرص: إذا هبّت رياحك فاغتنمها فإن الريح عادتها السكون. وإذا درت شياهك فاحتلبها فلا تدري غدا الفطيم لمن يكون. فعلاً الريح لا تأتي كل يوم؛ فإذا هبّت فليس من عادتها ذلك، وكذلك فرص الحياة القليلة إن لم تكن النادرة، والكثير منها يحدث بما يشبه المصادفة، وهي ليست مصادفة، بل تدبير خفي من الرحمن الرحيم وتدافع في عالم الأسباب لا نحيط به علماً. يأتي وحي الروح فيقول لجها. الحياة فرص ليست متوفرة في كل لحظة. قد تعود وقد لا تعود. ويجب أن ندرّب أنفسنا على اللحظة الواحدة. وقد تقرر مصيراً. عرفها واغتنمها من عرفها وجهلها من جهلها. والمهم قد لا تبدو كذلك حين تطل برأسها؛ فإذا جاءت فطن لها الكيس الحذر المتربص اليقظ فاستغلها وبنى لنفسه مجداً منها، ليكتشف لاحقاً أنها كانت نقطة تحول في حياته. الأفعى تفعل بنفس القاعدة فتتربص بالضفدع بسكون يذكر بجمود العصا، ثم تضرب ضربة واحدة مالها من فواق. والقط واللبوة تتربص بالفريسة بنفس الطريقة من الصبر. فهذه كلها من حكم الطبيعة والكائنات. السؤال: إذا سنحت لأحدنا فرصة كيف يعرف أنها الخير من الشر؟ والجواب هنا تأتي الاستشارة والاستخارة. أنا شخصياً لم أتقدم على أمر جلل إلا وفعلت هذا، ولا أخجل من استشارة الصبيان والنساء من حولي. يقال عن زينب النفزاوية أنها كانت خلف انتصارات يوسف بن تاشفين سيد المرابطين في المغرب. ومجد نابليون كانت خلفه جوزفين. وعلى المرء ألا يخجل من الاستشارة؛ فالرب يقول سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً. أما فضل صلاة الاستخارة ففيها بركة، وعلى المرء أن يفعل هذا ثم يترك الأمور إلى الرحمن الرحيم أياً كانت النتيجة. مع هذا هناك شيء اسمه الحس التاريخي وانشراح الصدر. والرب يقول “أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله”.