كذبة كبيرة اسمها شعراء كبار في فنّ المحاورة «القلطة»، هذا هو حال شعر المحاورة الآن، بعد أن فرغت من ماهيتها كموروث حجازي إبداعي، وتحولت إلى فنّ احترافي يمارس ممن ليس لهم انتماء لهذا الفلكلور. الفلكلور في الذاكرة الشعبيّة يظلّ مرتبطاً ببيئة معيّنة، وكل بيئة لها موروثها الخاص بها الذي لا يمكن تأديته من غير أفرادها. ولدينا في الجزيرة أنماط عديدة من الموروثات، ف»الدحّة» في الشمال، و»العرضة والخطوة» في الجنوب، و«الينبعاوي» في الساحل الغربي، و«القلطة» في الحجاز، وغير ذلك في كثير من المناطق، وكل موروث له خصوصيّته في الأداء والإيحاء والمضمون. وعود على بدء فإن المحاورة (القلطة) لم تعد موروثاً كما أسلفت، بل أصبحت فنا احترافيا أجوفَ، يمارس في جميع مناطق المملكة والخليج، وليس لها سوى الاسم فقط، أما المضمون فلا يمتّ للمحاورة بصلة، ومعظم شعراء المحاورة الآن دخلاء فارغون تماماً، هم شعراء نظم يؤدى على شكل محاورة، مجرّد ألحان جديدة، وصفوف مستأجرة تردد ما تسمع كالببغاوات، كرّست للسلبية، وبمساهمة سلبيّة أيضاً من القنوات الفضائيّة. المحاورة الحقيقيّة كانت وما زالت وستظلّ موروثاً حجازيّاً عصيّاً على الدخلاء، لا يُجيده إلا من تشرّبت جيناته بحميميّة هذا الموروث وخصوصيّته.