لا شك في أن للموروث الشعبي في المنطقة الجنوبية خصوصية يتميز بها كغيره من الموروثات في مملكتنا الحبيبة، لذلك يحرص أهل كل موروث على الشكل والمضمون له، ويبتعدون عن كل ما يشوه ذلك المضمون. والتراث الشعبي أو (الفلكلور) أو المأثورات الشعبية كلها مسميات لعلم واحد هو (التراث الشعبي) ومما لاشك فيه أن كل أمة يحكم عليها من خلال تراثها حيث يصوغ سلوكهم وعلاقاتهم، فالأمة متنوعة التراث يدل على عظمها وسموها، كما أن التراث بمفهومه العام لم يكن نتاجا زمنيا قصيرا أو نتاج حفنة من البشر، فالأعمال الفلكلورية الخالدة جاءت نتيجة تراكم معرفي طويل ونقل متواتر من جيل إلى جيل. ويلاحظ تكريس مفهوم الشجاعة والكرم والوفاء والذود عن حياض الوطن. ويدل إيراد القيم والمبادئ إلى ميل الإنسان الفطري إلى حب الكمال، لذلك يجب أن نحافظ على الصورة الناصعة التي توافق الدين والقيم والمبادئ والتي تمثل الشعب السعودي المسلم. وما رأيته من عبث خلال مصاحبة آلة الأورغ (لرقصة الحرب) وفي مهرجان الجنادرية وبالتحديد في عرض إحدى فرق العرضة الجنوبية المشاركة لهذا العام لهو من العوامل الهدامة لأصالة هذا الموروث، والعجيب أن هناك بعض الشعراء المشهورين الذين شاركوا مع الفرقة ولم يحركوا ساكنا حيال هذا التجاوز !!. ومن هنا فقد تجلت عدة أمور : أولا: نشاز آلة الأورغ مع السياق الفني لشعر العرضة الجنوبية بأكمله، وذلك من خلال طغيان صوت هذه الآلة على صوت الصفوف وإيقاع (زير الحرب). ثانيا: سمي هذا الموروث برقصة الحرب وليس (رقصة الغرب)، فهذه الآلة شاذة عن موروث ومفهوم الأصالة لدى أهل الجنوب. ثالثا: أفقدت هذه الآلة العرض الشعبي جوه التطريبي الأصيل وروحه الجنوبية العتيقة، وحماسه المعروف. رابعا: يخشى أن يفتح استخدام آلة الأورغ في عروض العرضة إلى اجتياح وعبث غير مسؤول للفنون الشعبية الأخرى.. خامسا: أرى أن يوضع مسؤول عن الفرق الشعبية له معرفة بقيمة الموروث وأصالته وخصوصيته لمنع مثل هذه التجاوزات المسيئة للموروث وأهله. د.محمد بن حمدان المالكي