رفيق السامرائي من البديهيات، أنّ كل إنسان ينتسب إلى وطنه، ويفتخر به، ويصبح الوطن لدى المنتمين إليه هو وعاء ولائهم الأول. والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ: هل الإسلام يؤيد الوطنية؟ وهل مصطلح الوطنية كان معروفاً لدى المسلمين في تاريخهم الطويل؟ لا شك أن مفهوم الوطنية كمصطلح جديد على الأمة، والوطنية تعني الولاء للوطن، وثمة نصوص في السيرة النبوية تؤكد على مفهوم الوطنية، فمن ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة: (والله إنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت). ومعلوم في السيرة النبوية، شوق الصحابة وحنينهم إلى مكة، إذ إنهم خرجوا بدينهم من أجل نصرة الإسلام ورسوله، فمن ذلك قول بلال المؤذن رضي الله عنه: (ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادِ وحولي أذخر وجليل) فهو يتذكر أيام مكة ولياليها، وجبالها، وحياته فيها، ويذكر شعره، بمرارة، شوقاً إليها، ومن هنا نُدرك أن الوطنية ممتزجة بالمشاعر التي من الصعب على المرء إخفائها. أما المواطنة بمعنى المعايشة في وطن واحد، يقول أهل اللغة: وَطَنَ و وَاطَن المكان أي: أقام فيه. والوطنية والمواطنة في تقديري ينبغي أن تتجاوز حدود المكان، فالإسلام لا ينظر إلى المواطنة على أنها داخل رقعة جغرافية مغلقة، بل هي منفتحة على المجتمعات الأخرى، وذلك في سبيل تفعيل القيم الإسلامية التي هي من جملة القيم المشتركة بين الناس، ليتحقق بذلك مجتمع حضاري متفاعل. إن الولاء للوطن منعقد برباط الإيمان، فحقوق الأفراد، والتواد، والتعاطف، والتناصح، والإصلاح، والنصرة، والعدل، والتعاون، إذا ما أُشيعت بين الناس، وتفاعلت، فهي تعبير عن مصداقية المواطنة، أضف إلى ذلك الإسهام في التنمية الحضارية، والمبادرة إلى فعل الخير، وأعمال البر، واحترام الأنظمة والقوانين، والمحافظة على تراث الوطن، وعدم نشر الأكاذيب عن الوطن، والتصدي لأعداء الوطن، كلها من أُسس ومقومات الوطنية. وبذلك يمكن القول بأنّ تفعيل مفهوم الوطنية، ينبغي أن يعتمد على القيم الإسلامية التي أكدت عليها الشريعة، بل الإسلام بمبادئه وقيمه يدفع الإنسان الصالح إلى تلك المفاهيم، وبالتالي تُصبح المجتمعات الإسلامية كالحديقة الغنّاء والتي امتلأت حباً ونقاءً وجمالاً.