زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الحادي عشر من أبريل الجاري للجزيرة الإماراتيةالمحتلة (أبو موسى) أثارت استفزازاً كبيراً واستياء فوق العادة، ليس للإماراتيين فقط، بل للعالم العربي كله من الخليج إلى المغرب. فما هي قصة هذه الجزيرة والجزيرتين الأخريين اللتين ارتبطتا بها، ولماذا كان نجاد على هذا القدر من الجرأة في شتمه للعرب وثقافتهم من فوق أرضهم؟ وما هي تبعات هذه الزيارة؟ كانت قضية الجزر الإماراتية الثلاث تمثل القضية الأعقد في العلاقات العربية – الإيرانية، قبل أن تكشّر إيران عن أنيابها في هجمتها الشرسة التي حاولت فيها التآمر لتغيير نظام الحكم في مملكة البحرين، وتكشّف مخطط إيراني يسعى لقيام دولة تابعة له في شرق الجزيرة العربية. التاريخ الفارسي القديم مليء بمثل هذه التحركات المتدرجة، لكن دعونا من التاريخ القديم قليلاً، ولنتحدث عن تاريخ ليس بالبعيد جداً. هذه الجزر الثلاث، هي طنب الكبرى التي تبلغ مساحتها تسعة كيلومترات ويبلغ عدد سكانها 700 نسمة ويقوم نشاطها الأساس على الصيد. وطنب الصغرى التي تبلغ مساحتها كيلو متر واحد وهي خالية من السكان. أما (أبو موسى) فهي الأكبر إذ تبلغ مساحتها عشرين كيلو مترا ويبلغ عدد سكانها ألف نسمة يشتغلون بالصيد والزراعة والرعي. وبعد خروج الاحتلال البريطاني، ذهبت الطنبتان لإمارة رأس الخيمة، وذهبت أبو موسى لإمارة الشارقة. بعد الانسحاب البريطاني من الخليج، احتلت إيران الطنبتين وقالت إنها لن تعترف بالإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة الذي حدث في 24 ديسمبر 1971 إلا بقبول هذا الواقع. أما جزيرة (أبو موسى) فحكمتها اتفاقية بين إيران وحاكم الشارقة نصت على اقتسام عائدات النفط مناصفة مع إمارة الشارقة، ومساهمة إيران في تنمية الجزيرة اقتصادياً وأن تدفع إيران إيجارا سنوياً للإمارة مقابل قواعدها في الجزيرة. في عام 1992 استغلت إيران انشغال الدول الخليجية بحرب الخليج الثانية وتحرير الكويت فمنعت بعض موظفي الإمارة من العودة للجزيرة بعد انتهاء إجازاتهم الصيفية، وكانت حجتها في ذلك أنها اكتشفت أن هناك «مؤامرة» تحاك ضدها من قبل القوى الكبرى في المنطقة. وقد أكد الإعلامي في قناة الجزيرة (إيراني الهوى) غسان بن جدو في مقالة له بعنوان : (إيران .. إلى أين) هذه القضية فقال إنه لا يوجد شخص واحد في إيران يشك في أن الجزر الثلاث المتنازع عليها مع الإمارات جزر إيرانية، والرئيس محمد خاتمي أيضا يرى أنها جزر إيرانية. بناء على شهادة بن جدو هذه، فالمشكلة هنا ليست فقط مع الخمينيين، ولو زال حكم الملالي وجاء القوميون الإيرانيون لسدة الحكم، فإن المشكلة ستظل قائمة. المضحك في الأمر هو براءة الأطفال التي تدعيها إيران هنا. تلك اللعبة التي يتقنها الإيرانيون جيداً. فهم يقولون إنه ليست هناك أي مشكلة من الأساس، فإيران تدعي أن لها حقوقاً تاريخية في تلك الجزر ويجب على الإماراتيين أن يقبلوا بهذه الحقيقة. وأحياناً كان الإيرانيون يعلنون أنهم على استعداد للتفاوض بخصوص مشكلة الجزر. وأحيانا ثالثة كانوا يقولون بضرورة بقاء مبدأ الشراكة الإيرانية – الإماراتية للجزر، في ثلاثة مواقف متباينة تمليها رياح السياسة وما فيها من هدوء أو توتر. ولا أنسى جزئية مهمة في هذه القضية، ألا وهي سياسة تغيير وجه جزيرة (أبو موسى) لتأكيد السيادة الإيرانية عليها من مثل افتتاح دار للبلدية فيها وبناء مطار في الجزيرة (المطار الذي هبطت فيه طائرة نجاد) وافتتاح فرع لإحدى الجامعات الإيرانية على أرض هذه الجزيرة الإماراتية، كما يجري الحديث عن نشر الصواريخ الإيرانية في جزيرة (أبو موسى)، ولا أعتقد أنه من المبالغة في شيء عندما نقول إن إيران تسعى لعسكرة جزيرة (أبو موسى). وهل نحن بحاجة لأن نسأل: لماذا تريد قواعد عسكرية على هذا المستوى من القرب! دعوني أعيدكم للتاريخ من جديد لأقول إنه من المفارقات العجيبة أن المؤرخين يحدثوننا عن منطقة اسمها (جلفار) في شرق الجزيرة وأن هذه الجلفار كانت هي القاعدة التي كان ينطق منها الأبطال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح فارس واسقاط حكم كسرى. بقي أن نعرف أن جلفار هذه ليست سوى إمارة رأس الخيمة حالياً.