تأبى النفوس النظر إلى شاشات الفضائيات، بسبب ما آلت إليه الأوضاع في سوريا، وتعتصر القلوب دمًا لما تراه من بشاعة وقسوة في القتل والتنكيل! مشاهد تقشعر لها الأبدان، وتهان فيها كرامة الإنسان. نعم الإنسان الذي أصبح لا ثمن له في سوريا، فكل شيء أصبح ممكناً ومباحاً ورخيصاً، من أجل الجلوس على كرسي السلطة، ولو كان الكرسي مطليًا وملطخاً وعائماً في دماء الشرفاء! أصبح الموت في سوريا في كل مكان، في المدن والبلدات والحواري، والمقابر الجماعية تشهد على ذلك، وأشلاء الموتى على الشوارع والطرقات، ومن يشيعون قتلاهم يُستهدفون، ويصب الرصاص على رؤوسهم كالأمطار، وقطعت أواصل النساء والرجال، حتى البراءة والطفولة ما سلمت من آلات النظام العسكرية القاسية، ومجزرة حي بابا عمرو، والإبادة الجماعية فيه، فاقت كل المجازر عبر التاريخ! والجرحى ينزفون، ولسان حالهم يقول: يا مغيث يا معين، والمستشفيات هدمت عمدًا، حتى الأطباء مستهدفون! وقطعت بعض الطرق عن بعضها، كي لا تمد المواطنين بالغذاء والدواء وحليب الأطفال، عقاباً لهم! والمرضعات جف حليبهن بسبب الخوف والهلع! يتحدّثون في اجتماعاتهم ومباحثاتهم عن كيفية وجود ممرات آمنة تحمل معونات إنسانية طبية وغذائية، ولكن متى ؟ لقد أصبح الوضع في سوريا مزريًا وقاسيًا، وعدد القتلى فاق الرقم القياسي، ففي اليوم الواحد تقريبًا يقتل مابين أربعين وخمسين شخصًا، وأعتقد أنه في ظل هذه الظروف، يجب أن تكون هناك إجراءات عاجلة، وأن تتضافر جهود شرفاء العالم وأحراره. وفي الوقت الراهن يجب التركيز على وقف العنف والقتل ضد المدنيين، ووقف الإبادات الجماعية، وإيجاد معابر آمنة لتصل عبرها المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة. نعول كثيرًا على مملكتنا، لما لعبته وتلعبه من دور إنساني لنصرة المظلومين، وانحيازها للحق وإرادة الشعوب. وفي الأيام الماضية كانت تصريحات المملكة العربية السعودية، للرئيس الروسي، إيجابية وإنسانية، لمصلحة الشعب السوري . ويجب أن تفعل، وأن تتضافر كل الجهود لجميع الحكام والشعوب العربية، وأن تقوم الجامعة العربية بدورها بصورة أكثر إيجابية، وأن تنفذ كل بنود الورقة العربية، من أجل إنسان سوريا. ونناشد جميع المنظمات الدولية والإنسانية، وحقوق الإنسان، والصليب الأحمر، وشرفاء العرب، أن يمدوا يد العون في هذه اللحظات المفصلية الحرجة. وسيظل في ذاكرة الأجيال والشعوب، موقف روسيا والصين، واستخدامهما حق الفيتو من أجل قتل الشعب السوري، وهدر دماء الأطفال! سيظل وصمة عار على جباههم وجباه جميع من تآمروا على الشعب السوري الأبي. وفي الأيام القليلة الماضية قُتِلت الصحفية الأمريكية ماري كولفن، والمصور الفرنسي، والمصور العربي رامي، وكذلك الصحفي اللبناني، وكثير من الصحفيين الذين استهدفوا، لا لشيء، غير أنهم نقلوا الحقيقة، وكشفوا بشاعة النظام، وشبيحته القاسية، وأسقطوا عنه القناع! نعم نجحت كولفن فيما أخفقت فيه بعثة المراقبين العرب، فماتت ميتة الشرفاء، ولكن الحقيقة لم تمت، وستظل نورًا وهاجًا في جوف الظلام، وسيظل التاريخ يسجّل ويشهد، بأن كل من استباح دماء شعبه، واستخف بها، فمصيره بشع، ومزابل التاريخ تعرف ذلك، والنصر لهذا الشعب آت لا محالة، بإذن الله وإنّ غداً لناظره قريب.