في كلّ مرة تُثقل الأمطار هطولها؛ يقع ضحايا. يتكرر ذلك مراراً في جنوب البلاد، وفي المناطق الجبلية بالذات، وفي مجاري السيول. وأحياناً تقع الحوادث المترتبة على الأمطار والسيول لأسباب صغيرة وغير معقولة، كأن تُصرّ أسرة على التنزه في مجرى سيل في وقت تتزايد فيه احتمالات الأمطار، أو بسبب إصرار سائق سيارة على استخدام طريق مهدد بانهيار جزئي. والنتيجة التي تتكرر كثيراً؛ هي وفيات وإصابات وفقدان، عدا الخسائر المادية التي يتكبّدها أشخاص لم يحسبوا حساب الخطر بالطريقة الملائمة. والأكثر غرابة هو أن كثيراً من الضحايا يكونون من ذوي الخبرة بهذه المخاطر الطبيعية، وأحياناً يكونون من ذوي المعاناة والتجارب المتكررة مع أخطار السيول والأمطار وتداعياتها المتوقعة. كأن الأمر لا يعني أولئك الذين يُصابون أو يموتون عند جرف أو عند حافة وادٍ أو على عتبة سفح داهمته المياه الغزيرة. وهناك أصوات تتهم الأجهزة المعنية، كالدفاع المدني، بقصور في نشر التوعية والتحذير. وقد يكون ذلك صحيحاً على نحو نسبي. إلا أن الحقيقة الأكثر وضوحاً هي أن حماية النفس والممتلكات إنما هي حاجة غريزية طبيعية لا تحتاج إلى من يُقول لها تصرفي. فالخطر خطر؛ سواءً أعلن الدفاع المدني ذلك أم لم يُعلن. والذين أمضوا حياتهم بين السهول والوديان والحواف الخطرة في الجبال يُدركون بخبرة تلقائية أن المطر خطر، ويفهمون بغريزتهم الطبيعية أن هناك ضرورة واضحة لحماية النفس والابتعاد عن مصادر الضرر، كبيرة كانت أم كثيرة. صحيح أن هناك استثناءات لافتة، كأن تزيد كمية الأمطار على مستوى «البركات» إلى حدّ ارتفاعها إلى معدلات تدمّر منازل ومساكن وأملاكاً. بيد أن الأصحّ هو أن هناك ضحايا كان يمكنهم ألا يكونوا ضحايا لو تحوّطوا بالتزام قواعد بسيطة في السلامة والحماية الذاتية. والذي حدث، خلال اليومين الماضيين، من سقوط ضحايا في بعض مناطق المملكة ينبّه الجميع إلى أن الخطر لا يكمن في الأمطار والسيول فحسب، بل في طريقة تعامل الناس معها خاصة في الظروف الجغرافية الصعبة، كما في المناطق الجبلية. علاوة على ذلك؛ إن الأجهزة المعنية في الدفاع المدني والأرصاد الجوية والجهات الاجتماعية عليها أن تكثف جهودها التوعوية لتنمية حس السلامة في المناطق التي تكثر فيها حالات الوفاة بسبب السيول والأمطار. الوعي مطلوب من الناس، والتوعية مطلوبة من الجهات الحكومية.