هكذا يمضي الشيخ عبدالله بن عايض بن حامد -غفر الله له- شامخًا كجبال عسير، راسخًا في قلوب قومه، حاضرًا في ضمير وطنه، محبًا لمليكه، كاتبًا سطور المجد بلغة الوفاء والقيادة والصدق.. وهو بذلك ليس مجرد شيخ قبليّ فقط، بل أحد أعمدة الذاكرة السعودية التي تحفظ الرجال، كما تحفظ الأرضُ الجبال، صادقة في الولاء لهذا الوطن الكبير المجيد.. في جبال عسير الشامخة، حيث ينساب المجد مع الضباب وتتعانق القيم مع الجبال، يبرز اسم الشيخ عبدالله بن عايض بن حامد بوصفه شيخ شمل قبيلة علكم، إحدى أعرق قبائل عسير وأكثرها عمقًا وتأثيرًا في المشهد الاجتماعي والتاريخي للمنطقة، والذي وارى ربه الأحد الماضي شيخًا تقيًّا، مواطنًا صالحًا، وقلوب الجميع تلهج له بالدعاء والمحبة الخالدة. ينتمي الشيخ عبدالله بن حامد إلى أسرةٍ ذات إرث طويل في القيادة والحكمة، فجده الشيخ أحمد بن حامد، ووالده الشيخ عايض بن حامد، كانا من أعلام قبيلتهم وسدنة مجدها، وقد حمل الابن عبدالله هذا الإرث بكل اعتزاز، لا كعنوان شرفيّ، بل كمشروع مستمر، يؤمن أن المشيخة مسؤولية تتجدد، لا لقبًا يتوارث، فلم يكتفِ بالمحافظة عليه، بل طوّره ليواكب روح العصر دون أن يفرّط بالأصالة ممزوجةً بأسمى معاني الولاء والانتماء لوطنه. عُرف الشيخ عبدالله بلقب «شيخ الطلّاعة»، وهو لقب ارتبط تاريخيًا بقبيلة علكم عسير التي اشتهرت بمواقفها المتقدمة في الصفوف الأولى، وهو تفسيره الذي وثّقه بنفسه، مشيرًا إلى أن «علكم الطلّاعة» لم تكن مجرد عبارة بل سلوك قبلي يُعبّر عن الشهامة والمبادرة والوفاء للوطن والقيادة، حيث الاسم يقترن بالمعنى، والمجد بالأثر. كان عام ولادة ابن حامد -رحمه الله- هو عام دخول عسير في منظومة الدولة السعودية الثالثة، وكان لوالده وجده دور بارز في سرعة التفاعل والدعم والتأييد للدولة السعودية العادلة -أيدها الله-، بجذوة الفخر والانتماء والولاء، فغدت أسرة بن حامد، والقبيلة، مجندين لخدمة الدين والمليك الوطن. وفي مسيرته العطرة الأوجّ -رحمه الله- في خدم وطنه، عينه الأمير فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- حينها أميرًا على الريث عام 1379، وقضى في المنصب أربعة أعوام وتزيد قليلاً، ثم عمل بعد ذلك بمكتب سمو وزير الداخلية الأمير فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وعند مرض والده الشيخ عايض بن أحمد بن حامد، عاد للوقوف معه ومساعدته في إدارة شؤون القبيلة، ثم انتقل مباشرة إلى الجوازات والجنسية، ثم شغل منصب كبير مفتشي ديوان إمارة منطقة عسير، بأثرٍ مهنيّ كبير في إدارة العديد من الملفات القبليّة وإصلاح ذات البين التي امتدت حتى تقاعده، وبعد وفاة والده الشيخ عايض بن أحمد، تم تعيين الشيخ عبدالله شيخاً بأمر وزاري لقبائل علكم عام 1387ه. عرفه قومه بالتواضع، والحكمة، وسداد الرأي، كما عرفته الدولة رجلاً حاضرًا في المواقف التي تتطلب الصوت الحكيم والموقف الرصين. وهو ممن لم تَفصِلهم القبيلة عن الوطن، بل جعلوا من تمثيل القبيلة طريقًا لخدمة المملكة، ومن تعزيز الانتماء مدخلًا للمشاركة الوطنية الصادقة الحقّة. لم يكن الشيخ عبدالله مجرد قائد قبلي، بل كان أيضًا رجل دولة، يحضر في المحافل الرسمية، ويعبّر عن صوت مجتمعه بأدبٍ ووعي، ويشارك في لجان الإصلاح والمساعي الحميدة، حتى أصبح اسمه مرادفًا للحكمة والعدالة، حيث عُرف عنه حنكته في الإصلاح، وقدرته على جمع المختلفين تحت راية الصلح، وكثيرًا ما شارك في لجان اجتماعية ومجالس قبليّة وعُرفية، كان فيها صوت العقل والعدالة. فكان في حضرته تُطوى الخلافات، وتُمدّ الأيدي بعد طول خصومة، لأن حضوره لا يُفهم إلا بوصفه دعوة للسلام، وأمانًا للمُضي قدمًا. أما علاقته بأفراد قبيلته، فتمتزج فيها الهيبة بالبُعد الإنساني. يُقابل الناس كأنهم أهله وإخوته وأبنائه، يسمع أكثر مما يتكلم، ويحتوي الخلاف بحكمة من عاش التجربة، لا بنظرة من يراقب من بعيد، ولعل هذا التوازن بين الحكمة حين تُطلب، واللين حين يُلزم، هو ما جعله مرجعًا لا يُستغنى عنه، وشخصية يتقاطع عندها الحاضر بالماضي على مستوى قبائل المملكة. هكذا يمضي الشيخ عبدالله بن عايض بن حامد -غفر الله له-، شامخًا كجبال عسير، راسخًا في قلوب قومه، حاضرًا في ضمير وطنه، محبًا لمليكه، كاتبًا سطور المجد بلغة الوفاء والقيادة والصدق. وهو بذلك، ليس مجرد شيخ قبليّ فقط، بل أحد أعمدة الذاكرة السعودية التي تحفظ الرجال، كما تحفظ الأرضُ الجبال، صادقة في الولاء لهذا الوطن الكبير المجيد. عزاؤنا للوطن الكبير ولأسرته ولقبيلته ولأبنائه الكرام الذين يحذون حذو والدهم، نفع الله بهم لخدمة دينهم ومليكهم ووطنهم.