بعد مرور الكثير من التجارب على حركة التطوُّع في المجتمع العربي، وجدنا أن ثقافة التطوُّع ظلَّت حالة اجتهادية بين الأفراد، في ظلِّ غياب المؤسسات الرسمية عن نشر هذه الثقافة التي كانت ضمن مناهج التعليم الغربية. ومع نهاية التسعينات بدأت مؤسسات المجتمع المدني في بعض دول الخليج بمحاولة تبنِّي فكرة التطوُّع، ما نجده قوياً في بعض الدول وضعيفاً في الأخرى. وبإطلالة سريعة حول نشر ثقافة التطوع بين المجتمع العربي والغربي، نجد أن الغرب أدخل هذه الثقافة ضمن مناهجه الدراسية بعيداً عن الإطار الأيديولوجي، وربما هذا هو الفرق بين ثقافتين. اليوم نلاحظ أن الفرق التطوعية أصبحت تنشأ مع الكوارث، وكلّما كانت لدينا كارثة أعلن الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي حاجتهم لفريق متطوع في مكان ما (كارثة جدة نموذجاً)، ومن خلال هذه المواقع نجد أن الشباب يجتمعون ويلتقون ويقدِّمون خدماتهم بشكل تطوعي. لماذا نعتمد على هذه الاجتهادات الفردية لصناعة جيل يؤمن بثقافة التطوُّع. وقد أثبتت لنا التجربة أن لدينا طاقات شابة متحمِّسة للعمل التطوُّعي، وتقديم تضحيات فردية للمجتمع، ولكننا نجد أن المتطوعين يتناقصون من فترة إلى أخرى وذلك بسبب عدم احتواء هؤلاء المتطوعين من قبل مؤسسات ممنهجة ورسمية. في اعتقادي أن كل جمعية أهلية موجودة في المجتمع عليها تفعيل الجانب التطوُّعي فيها، وفتح الأبواب واستقبال هؤلاء المتطوعين من الشباب والشابات الذين تجاوزوا هذه الجمعيات وشكَّلوا أنفسهم عبر المواقع الإلكترونية، وقدَّموا تجمعاتهم الافتراضية، ولكنهم مازالوا بحاجة للتعرُّف على ثقافة التطوُّع، ومجتمع يتجاوز عدد سكانه 28 مليوناً بحاجة لأكثر من جمعية لنشر هذه الثقافة، وتكريس وعي التطوُّع لدى المجتمع وعدم ترك هذا الجيل لأن يجتهد ويقع في الكثير من الخطايا ولا يجد من يرسم له خطوطاً واضحة، من خلال مؤسسات رسمية كي لا يتمُّ اختطافهم من قبل تيارات أيدلوجية وتحويلهم من العمل التطوُّعي إلى العمل الفكري، وبعيداً عن ثقافة التطوُّع. ويظلُّ السؤال معلقاً: لماذا لم تتبنَ الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان نشر وتبنِّي هذه الطاقات الشابة في العمل التطوُّعي؟