حسين أنور السنان لا يوجد مجتمع مثالي يخلو خلواً تاماً من الفساد بأنواعه المتعددة، بالمقابل فإنه لا يخلو أي مجتمع ممَّن يحارب الفساد ويدعو إلى الفضائل من القول والعمل. والفساد بحد ذاته ليس معضلة لا يمكن تجاوزها، أوحلها، فالتسليم والاعتراف بوجوده يعتبر أول خطوة على الطريق لمعالجته والحد منه، خصوصاً في الجانب الإداري. لكن المشكلة تكمن في عدم الوعي الجمعي، الذي يصور الفساد الاجتماعي أوالاعتقادي بصورة مقبولة اجتماعياً، أو دينياً أحياناً، ويعتبره من المسلمات التي لا تشوبها شائبة، بمعنى أن يصبح المنكر معروفاً، «فيتشرعن» الفساد، وينتج عنه التطرف في الفكر والممارسة. شرعنة الفساد اجتماعياً أو دينياً إن حدثت ممن ليسوا شرعيين معتبرين- لا يمكن مكافحتها بسهولة، كونها في الغالب تصدر ممن يحيطون أنفسهم بهالة من الحصانة أو القداسة الدينية، التي تجعل من مجرد الحديث عن وجود فساد في الممارسة الدينية أمراً محظوراً أو خطاً أحمراً لا يمكن تخطيه! وعليه تنشأ الإشكالية بين شرعنة الفساد والتصدي الإصلاحي له، وهنا يظهر استخدام سلاح التفسيق والتكفير والإخراج من الملة من قبل بعض رجل الدين المتطرفين المدافعين عن اجتهاداتهم المتطرفة، والتي لا يتوانى دعاة التطرف في العادة عن تصفية خصومهم معنوياً بشراسة بالغة مستخدمين أقوى الوسائل المتاحة، في محاولة لتصوير المصلحين بصورة سلبية لتنفير الجماهير منهم. من كل التجارب السابقة التي مرت علينا كمجتمع، أوعلى الأمم السابقة من قبلنا، نجد أنَّ ممارسة بعض رجال الدين لسلطته المتطرفة أدت إلى أن يدفع المجتمع بأكمله ثمن هذا الفساد في الطرح وثمن هذا التطرف، حتى و إن كانت الغالبية في المجتمع غير راضية عن تلك الممارسات، إلا أنها تؤثر الصمت خوفاً من تبعات مواجهة محسومة النتائج، في بيئة يلفها الرعب الأيدلوجي من مواجهة بعض رجال الدين «المتطرفين» الذين يعتبر مجرد نقدهم، نقداً للدين نفسه! في فكرة مغلوطة عند العامة، جعلت الدين طوعاً لرجل الدين وليس العكس! الأمر الآخر، الأكثر أهمية وخطورة، يكمن في أن رجال الدين المتطرفين يدعون كل شرائح المجتمع لتبني أطروحاتهم وأفكارهم المتطرفة، بيد أنهم يخدمون في العادة فئةً أو تياراً، أو حزباً معيناً ووحيداً، ويدينون بالولاء له فقط، ويغّلبون مصالحه الفئوية على مصالح المجتمع العريض بأكمله، مستخدمين عبارات وشعارات فضفاضة حماسية، لا توضح الصورة الحقيقية لمآربهم وأهدافهم، كما يركزون على اتخاذ البسطاء من الناس مطية للوصول إلى مبتغاهم. الممارسة الدينية المتطرفة هي التي أنتجت في العديد من البلاد الإسلامية تيارات مناوئة، سعت إلى محاربة الفكر المتشدد في بداية الأمر، حتى وصلت إلى مرحلة رفض الدين كممارسة، رفضاً كلياً، فأصبح لدينا تطرف معاكس يحارب كل ما هو ديني، لكنه يظل أقل خطورة من التشدد الديني في تأثيره على المجتمع المحافظ بطبعه، و المتمسك بتعاليم الدين الوسطية. الأمر الأخير والمهم يكمن في أن «التطرف» يبقى أمراً نسبياً، يعود تشخيصه للأفراد الذين ينظرون للحدث من خلف نظارات الانتماء الديني و المذهبي، وبالتالي فهم لا يرون بتجرد الصورة الحقيقية للأمور، ولا يبنون قراراتهم بمعزل عن العاطفة التي رسّخ لها رجال الدين «المتطرفون» في أنهم وحدهم المخلصون للمجتمع، ومجرد مساءلتهم أومحاولة استفهامهم عن قرارتهم التي تمس كيان المجتمع، يعتبر ضرباً من الفسوق يستلزم الاستغفار والتوبة النصوح! لذا فهم يطلبون من المجتمع ترك الدفة تدار من داخل مطابخ التطرف الفئوية الحزبية الضيقة باسم الدين!