مرة، عرض علي شاب كتاباته، كانت تعبيراته رقيقة، ولا تخلو عباراته من لمحة فاتنة، وملاحة، عيبها أن صاحبها كان يحاول الوزن فيفشل، ويصر على القافية، فتبدو مع اختلال الوزن قبيحة، قلت له رأيي، ونصحته بتعلّم الوزن، لأن الوزن علم، ويمكن التدرب عليه، ومعرفته، تماما كما يمكن لأي مجموعة راغبة في تعلم العزف على العود مثلاً، أن تأتي بمن يدربها، ويعلمها، فتتدرب وتتعلم، وبعد فترة يمكن لأي فرد من أفرادها العزف، ثم تختلف المواهب، فمنها ما يتقدم بصاحبه، ومنها ما يتأخر، المهم أن صاحبنا، اتبع النصيحة، وأجهد حاله، ونجح فعلا في تعلم الأوزان، لم تمض سنة واحدة، إلا وكان أمامي دفتر كبير نسبيا، يضم كتاباته الجديدة، قرأتها، كانت كلها منضبطة وزنا وقافية، لكنها في سبيل هذا الأمر، ضحّت بالروح والبريق، جاءت فاقدة للفتات فاتنة البراءة، جاءت متكلفة، ثقيلة الظل، وتمشي بإيقاع يشبه خطى العسكر، قلت له: دفترك الأول شعر بلا قصائد، ودفترك هذا قصائد بلا شعر، قال: لم أفهم، قلت: هذا أفضل، يوم كنت أعني ما أقول، وكنت تفهم ما أعني، قتلنا شاعرا، وأحيينا قصّادا..! ومرة جاءني شاعر، قرأ أشعارا كثيرة، وفي اليوم الثاني فعل الشيء نفسه بقصائد جديدة، وكرر ذلك في اليوم الثالث، قلت: لو كنت مكانك، لأعدت كتابة قصيدتي عشر مرات، بدل أن أكتب عشر قصائد، للأسف سمع النصيحة، صارت كتاباته شديدة الكلفة، خالية من أي روح، نصحته أن يعود لسابق عهده، فقد كانت في كتاباته الأولى، روح، وشقاوة، على ما بها من تعجّل، وللأسف، سمع النصيحة، صار يكتب يوميا أكثر من قصيدة، لكنه نسي الشقاوة وفقد البراءة، ومن يومها، توقفت عن نصح الشعراء، اكتفيت بالقول: نصيحتي ألا يستمع شاعر إلى نصيحة، وللأسف فإن البعض أخذ بهذه النصيحة أيضا!