ظلت مدينة الهفوف على مدى قرون خلت العاصمة الإدارية للحكومات التي تعاقبت على واحة الأحساء-سابقاً- فقد اتخذها العثمانيون مقراً رئيساً لحكمهم، ولأنها تتوسط قلب الواحة، وحولها تقع القرى وبقية المدن، فقد شكلت قطب الرحى للكثير من الأحداث والمناسبات لأهالي الأحساء عامة. وأتاح موقع واحة الأحساء على ضفاف الخليج العربي للعاصمة الهفوف، فرصة تجاذب الناس إليها، فكانت ممراً رئيساً للحجاج القادمين من دول الشرق، وحتى البضائع القديمة التي كانت تستورد عن طريق ميناء العقير-80كم شرق الهفوف- كانت تتخذ من سوق القيصرية الشهير نقطة التوزيع لها. وسوق القيصرية الذي أنشئ عام 1918م-1923م بأمرٍ من الملك عبدالعزيز آل سعود، بعد حكمه للأحساء، يعتبر معلماً تاريخياً واجتماعياً واقتصادياً، وهو أكبر سوق تراثي مغطى في الخليج والجزيرة العربية، وهذا ما أعطى «القيصرية» الحضور الاقتصادي في مدينة الهفوف؛ ولكن البناء المعماري هو أيضا محل اعتبار. وإلى جانب ذلك يظل قصر إبراهيم التاريخي، علامة مميزة في تحضر»مدينة الهفوف» منذ القدم ويمثل إرثاً ضخماً للمنطقة، ولمكانته الكبيرة، أصبح يستقطب الزوار من خلال الفعاليات الشعبية والاحتفالية التي تقام فيه، وإلى جانبه يقف بيت البيعة -المجاور للقصر- شامخاً ودالاً على حدث مهم في تاريخ الأحساء، حيث بات فيه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن-إبان ضمه للأحساء سنة 1331ه-، والمعروف قديماً ب «بيت الملا». ولاتكتفي «الهفوف» بهذه المعالم، بل كانت ملاذاً لهجرة العلماء الذي يطلبون العلم على يد مشايخها الكثر، وكانت مدارسها العلمية صرحاً شامخاً وشاهداً على ازدهارها علمياً وفقهياً، لعلمائها من الطائفتين السنية والشيعية، ومن تلك المدارس «مدرسة القبة، ومدرسة مصطفى باشا، ومدرسة الكثير، ومدرسة العمير، ومدرسة الشلهوبية-هذا قديماً-، أما المدرسة الأميرية التي أسست 1360ه، ك»أول مدرسة حكومية في المملكة، تظل تحفة معمارية تزين قلب «الهفوف»، من خلال أروقتها التي تتميز بفن العمارة الأخّاذ، والأقواس الطينية، والزخارف الإسلامية الفريدة، والنوافذ الخشبية المطلة على معالم مدينة الأحساء. ولم تنس العيون التي تفجرت في الأحساء -لتروي نخيلها وبساتينها-،»مدينة الهفوف» من تلك المياه العذبة، ف»عين نجم» التي تقع غرباً، احتلت مكانة في نفوس أهالي الجزيرة العربية عامة، حيث كانوا يقصدونها من كل حدب وصوب، طلباً للاستتطباب بمائها الكبريتي الساخن، وذاع صيتها بين شعراء العرب، وكذلك «عين الخدود» التي تقع شرقاً، وقد أروت الكثير من مزارع الواحة. وفي الهفوف يقع سوق الخميس الشعبي المركزي، الذي يعتبره الأهالي نقطة التقاء لهم، من خلاله يمكن التعرف على الهوية الأحسائية بطيبتها وبساطتها، فالناس فيه لا يفرقون بين مدينة وقرية، ولا انتماء طائفي بقدر ما يعتبرونه أُمّاً رؤوماً تحتضن أولادها. المدرسة الأميرية في الهفوف (الشرق) قصر إبراهيم الأثري (تصوير: عبدالعزيز البقشي) منظر علوي للفعاليات في قصر إبراهيم