من حسنات البرامج الحوارية أنها جادت علينا بطلة الإعلامي القدير داود الشريان، بعد أن ظل طوال مشواره الصحفي الطويل حبيس المكتب وزوايا كتابة يتعاطى فيها السياسة، بعيداً عن الهم المحلي. داود الكاتب ليس هو داود المحاور، فالكاتب هناك يستعرض قدراً كبيراً من البرستيج السياسي ويفخخ مقالاته باللغة، بينما المحاور يتنازل عن البرستيج واللغة مقابل انتزاع الإجابات من ضيوفه بقوة «كاريزما» تخصه وحده. يحاول الشريان من خلال برامجه الحواريه التي بدأها ب»واجه الصحافة» ثم «الثانية» الإذاعي فبرنامجه الحالي «الثامنة»، الوصول إلى المشاهد البسيط، لذلك تراه يستنطق مفردات التراث والحكي العامي، وأحياناً يعيد صياغة ما قاله الضيوف على الطريقة التي يتواصل بها مع جمهوره. يقدم من خلال هذه الرحلة الإعلامية التي أصبح على مصاف نجومها، مدرسة خاصة به، فهو يبتعد عن أسلوب مواجهة الضيف بما يقول، أو مواجهة الضيوف بعضهم ببعض، أو التجديف معهم في زاوية واحدة، فتراه يتنقل بين تفاصيل القضية برشاقة، مستجدياً من داخله صوت البدوي المرتفع وعباراته الحادة. يتفانى الشريان من خلال برامجه الحوارية التي تشهد أداءً متصاعداً حظي بقبول كبير، في فك طلاسم التأخر الخدماتي، من خلال تسليط الضوء على قضايا الناس التي يشتبكون معها يومياً، ويقدم -بشكل أو بآخر- المسؤولين عنها للمحاكمة. ورغم شجاعته في التقاطع مع قضايا محلية شائكة وقدرته الفائقة على استنطاق الضيوف وربما إحراجهم، إلا أن بعض المراقبين للشأن الإعلامي يرون أن داود الشريان يفتقد الجرأة في طرح بعض القضايا الفكرية والأمنية. الأجمل في برنامج الشريان هو تقبل ضيوفه لأسلوبه الساخر منهم، وهو بدوره يتعلق بأي فرصة سانحة للتعليق عليهم والتشفي بهم، فلا تجدهم إلا يضحكون، ولا تدري هل يضحكون منه أم على أنفسهم. شكراً داود.