«نخاف من إقامة نظام حكم سُنِّيٍّ في سوريا بعد سقوط النظام الحالي للأسد، وأن تقوم بعض دول المنطقة -العربية طبعاً- بدعم وصول هكذا نظام». هذا التصريح ليس لأحد ملالي قُم خلال خطبة الجمعة يحذِّر فيه من الإطاحة بالحليف العلويّ ومن إقامة نظام سُنِّيٍّ بديل له يؤثِّر على مصالح طهران وينهي طموحها الإقليمي في المنطقة. وهو ليس كلاماً سرّياً أيضاً للمرشد الأعلى علي الخامنئي خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الإيراني لتقييم حقيقة الوضع في سوريا والعمل على اتخاذ المزيد من الخطوات الداعمة للنظام السوري خوفاً من الإطاحة به. والموقف أعلاه بالتأكيد ليس في جلسة تقييم داخلية مغلقة لحزب الله قام نصرالله خلالها بإعطاء رأيه في التطورات التي تحصل في سوريا متخوفاً من إمكانية سقوط نظام الأسد وحلول نظام سُنِّيٍّ مكانه يقطع العلاقة الطائفية التي كان النظام البعثيُّ ينسجها مع حزب الله طوال العقود الماضية. صدِّقوا أو لا تُصدِّقوا هذا التصريح صادر عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال حديث له الأسبوع الماضي. والأغرب أنّ هذا الحديث جاء في مقابلة له مع إذاعة « كوميرسانت- اف أم « الروسية المحلية وليس لمحطة خارجية. بمعنى آخر، لافروف قاله اقتناعاً وليس مناورةً أو محاولةً لكسب طرف أو حتى لاستثارة دول أخرى. وإذا ما راجع القارئ الكريم المقابلة كاملة، فسيستطيع أن يضيء على الكهف المظلم في العقلية الروسية التي لا تزال تعيش على ما يبدو في الحقبة السوفيتية. الحقيقة أنّ لافروف وجماعة الكريملين يعتقدون أننا لا نزال نعيش عصر ستالين الذي ذبح الملايين وهجّر أمثالهم دون أن يسائله أحد عن ذلك. إن موسكو التي تتذرع في موقفها الداعم لنظام الأسد برفض التدخُّل في سوريا هي المتدخل الأول في شؤون الشعب السوري. موسكو التي يخاف وزير خارجيتها كما ذكر في مقابلته على الأقليات، تبيح ارتكاب المجازر بحق الأكثرية! فهي التي تؤمن الغطاء السياسي لهذه المجازر والدعم العسكري بالسلاح والمستشارين. فأي تخوف هذا على الشعب السوري، ولا حاجة لنا طبعاً إلى أن نتطرق إلى وضع الأقليات في روسيا ولاسيما المسلمة منها والمجازر بحق الشيشان! لا نستطيع أن نفهم حقيقةً في أي خانة نصرف الموقف الروسي هذا فيما يتعلق بموضوع النظام السُّنِّي في سوريا، هل هو في خانة الموقف الأيديولوجي أو المصلحي؟ إذا كان موقفاً أيديولوجياً فعلى الدبلوماسية الروسية أن تبلغنا أنها اختارت التحالف مع الشيعة أينما وجدوا بغض النظر عن أية معطيات، مع العلم أننا لا نعرف ما هي العناصر التي يبني عليها هكذا تحالف في هذه الحالة.أمّا إذا كان موقف موسكو يعتمد المصلحة، فلا نعرف لماذا سيكون عليها النظر في هوية أي نظام سواء كان سُنِّيَّاً أو شيعيَّاً أو علويَّاً أو كاثوليكيَّاً أو أرثوذوكسيَّاً أو بوذيَّاً أو هندوسيَّاً أو كافراً أو مُلْحِداً. كل ما عليها فعله هو بحث المصالح المشتركة لكلا الطرفين. لكن ليس لدى موسكو على ما يبدو ما تقدّمه من مصالح، فكلُّ هَمّها تثبيت الديكتاتوريات على شاكلتها، والخوف على مصالحها الحقيقية مع ملالي إيران وليس مع النظام السوري تحديداً.