•• بإغلاق وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) كافة الطرق المؤدية إلى تسوية الوضع في سوريا.. بتصريحاته المتجاوزة للكثير من الحقائق الموضوعية القائمة على الأرض.. تصبح فرص استمرار الحوار العربي الروسي مستحيلة كما تنبأ بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عقب اتصال رئيس روسيا الاتحادية (ديمتري ميدفيدف) في الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضي مبرراً موقف بلاده المساند للنظام السوري القائم.. والتي قال حينها الملك عبدالله بصورة أكثر تحديداً: «إن المملكة العربية السعودية لا يمكن إطلاقاً أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سوريا» وقوله أيضاً «كان الأولى بالأصدقاء الروس أن يقوموا بالتنسيق مع العرب قبل استعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.. أما الآن فإن أي حوار حول ما يجري في سورية لا يجدي». •• قال هذا الملك عبدالله يومها.. لأنه ببعد نظره أدرك أن روسيا لا تبدي أي استجابة للجهود العربية المخلصة لاحتواء الموقف في سوريا.. بدليل استخدامها للفيتو في مجلس الأمن.. وبدليل دعمها المتواصل للنظام السوري ليس على المستوى السياسي فحسب ولكن على مستوى التسليح أيضاً.. •• ورغم هذا الموقف السعودي المستوعب لطبيعة ما يجري على الأراضي السورية من مذابح وسفك دماء.. ألا أن العرب مضوا في مساعيهم الحيادية للبحث عن مخارج من هذا الوضع الدامي بأمل أن يتحرك الموقف الروسي في الاتجاه الصحيح.. وبدلا من دعم نظام الأسد.. السياسي والأمني.. فإنه كان عليهم أن يعملوا على تفهم القراءة العربية للتطورات هناك.. باعتبار أن العرب أكثر معرفة بسوريا.. وبمكوناتها السياسية والثقافية الداخلية وبطبيعة تفكير النظام وسياساته وتحفظها الشديد على طريقته اللا إنسانية في التعاطي مع مطالب الشعب بضرورة التغيير للتخلص من الوضع بمجمله بعد أن استعصى تصحيح مساراته الدموية.. وارتهانه إلى الحلول الأمنية للأزمة في التعامل مع شعبه.. •• رغم هذا الموقف السعودي إلا أن الجامعة العربية مضت في اتجاه الحوار مع الوزير الروسي حيث تم الاجتماع به أكثر من مرة.. وآخرها في التاسع من شهر مارس الحالي حيث توهم العرب أنهم قد توصلوا إلى اتفاق مع (لافروف) من خمس نقاط لتسوية الأزمة هي: 1 وقف العنف من أي مصدر كان. 2 إنشاء آلية رقابة محايدة. 3 عدم التدخل الأجنبي في سوريا. 4 إتاحة وصول المساعدات الإنسانية لجميع السوريين بدون إعاقة. 5 الدعم القوي لمهمة كوفي عنان مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية إلى سوريا لإطلاق حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة استناداً إلى الشرعية الدولية والمبادرات العربية حتى الآن. •• أقول توهم العرب ذلك.. لأن روسيا لم تكن جادة في مساعيها لإيقاف نزيف الدم.. وفي حماية الشعب السوري من حملات التطهير البريرية التي يقوم بها النظام لكل ما هو وطني.. بل على العكس من ذلك.. فإن الدعم الروسي للنظام بالسلاح استمر عبر أكثر من قناة.. •• وما يؤكد أن الروس غير جادين في الوفاء بأي التزام قطعوه سواء في المنظمة الدولية أو مع العرب في القاهرة الشهر الماضي.. هو تصريحات وزير الخارجية الروسي (لافروف) يوم أمس لإذاعة (كوميرسانت أف أم الروسية) والتي أعلن فيها بكل وضوح أن بلاده ستقف إلى جانب النظام السوري بالرغم من اعتراضاتها على بعض تصرفاته في التعامل مع شعبه منذ البداية وكذلك بطء إجرائه الإصلاحات المطلوبة.. وتبريره هذا الموقف وذلك بإدعائه «أن بعض دول المنطقة تمارس ضغوطاً من أجل إقامة نظام سني في سورية.. وزعم بأن هناك مخاوف شديدة من عمليات إرهابية متوقعة في العديد من المدن السورية». •• قال «لافروف» هذا الكلام الخطير.. وغير المرتكز إلى أي سند موضوعي.. ووفقاً لحسابات روسية خاصة تضع مصالح بلاده في المقدمة.. بصرف النظر عن الثمن الباهض الذي يدفعه وسوف يدفعه الشعب السوري المعرض لفتك الآلة الروسية بيد عسكر النظام.. وإلا فإن «لافروف» نفسه يعرف أن ما يحدث في سوريا هو عمل إجرامي يمارسه نظام بوليسي متسلط.. ويستعين فيه بالدعم الروسي المفتوح.. •• ليس هذا فحسب.. بل إن «لافروف» أراد بهذا الكلام الخطير أن يقلب الحقائق لصالح النظام الذي يسانده، وإلا فإنه يدرك أن النظام وليس غيره هو الذي يحاول أن يقود البلاد إلى حروب مذهبية وطائفية شديدة الحساسية.. كما أنه هو الذي أخذ على عاتقه نشر الذعر في أرجاء المدن السورية بدليل.. إطلاق سلسلة التفجيرات التي عمت سوريا في الأيام الأخيرة الماضية.. حتى يعطي الانطباع بأن هناك أطرافاً أخرى تفعل هذا في إطار مواجهتها للنظام.. والحقيقة أن من قام بهذه التفجيرات هو النظام وليس أي طرف آخر لأنه لا مصلحة للشعب السوري في أن يقتل سوري واحد فقط.. ولأن المجازر اليومية التي يتسبب فيها النظام بدباباته وطائراته.. وبقواته المتعددة المهام هي جزء من تلك الأعمال البربرية التي أخذ الروس يسوقون لها.. ويبررونها على كل الأصعدة.. ** والأخطر من هذا.. أن يعمل وزير الخارجية الروسي لافروف على إثارة الفتنة بين أبناء الشعب السوري حين يقول في تصريحاته تلك: «إنه إذا سقط النظام الحالي في سوريا فستنبثق رغبة قوية وتمارس ضغوط هائلة من بعض دول المنطقة من أجل إقامة نظام سني في سوريا.. وهذا الوضع يقلقنا على مصير المسيحيين والأكراد والعلويين والدروز وكذلك على لبنان بحكم تنوعه الطائفي وأقلياته القومية، كما يقلقنا على العراق حيث يهيمن الشيعة الآن على كافة المناصب القيادية هناك». ** هذا الكلام الخطير.. يتجاوز حدود الدفاع والمرافعة عن النظام السوري الحالي إلى ضرب الشعب السوري بعضه ببعض.. وضرب الأغلبية العربية بالأقلية المتعايشة مع بعضها البعض بسلام في المنطقة العربية.. والهدف من وراء ذلك هو.. تبرير موقف بلاده المساند بقوة لنظام رئيس النظام السوري الحالي بشار الأسد.. •• وهو الموقف الذي لا يخفيه الروس.. بل يؤكدونه في كل مناسبة وجاء حديث لافروف هذا ليؤكده مجدداً حين قال «إن رحيل الأسد كما تطالب المعارضة السورية غير واقعي ليس لأننا ندافع عن الأسد بل لمجرد أنه كذلك».. وتأكيده أيضاً على الحوار مع سلطة يرفضها الشعب.. ويطالب بتنحيها.. ليمارس حياة طبيعية تضمن له السلامة وتتيح له التمتع بحقوقه الإنسانية والقانونية وتمكنه من إقامة نظام الحكم الذي يريده هو.. ويتفق مع مكوناته الثقافية ومع استحقاقات الأنظمة المدنية كاملة الأهلية.. •• وحتى المناورة الروسية الجديدة التي برع فيها لافروف بتأييد توجه الأممالمتحدة نحو اتخاذ إجراءات ضامنة لسلامة الشعب السوري في إطار مهمة عنان القائمة الآن.. حتى هذه المناورة بدت وكأنها تجسد مشهداً آخر من مشاهد السياسة الروسية المبدئية ليس في نصرة العدالة وتأمين سلامة الشعب السوري وإنما في ضمان الحصول على أكبر المغانم من الوضع القائم.. وكذلك من الوضع القادم.. ليس في سوريا وحدها.. وإنما في المنطقة بأسرها.. وكأن الوزير الروسي يكشف بذلك عن خارطة طريق لمصالح وأدوار روسية قادمة في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة.. تتعزز معها مصالحها في كل من إيران والعراق وسوريا ولبنان.. في المرحلة القادمة بدليل حديث (لافروف) «بأنه إذا ما بدأ الحوار السوري العام وبمشاركة.. جميع ممثلي المعارضة والحكومة.. فيجب أن يتم في إطار هذا الحوار حل جميع القضايا ومنها من سيحكم سوريا في الفترة الانتقالية القادمة».. ** هذا الكلام ورغم الإيحاءات التي ينطوي عليها إلا أن الروس أنفسهم يعرفون أن نظام الأسد ليس مستعداً لمبارحة السلطة.. وأن الحوار معه لن يؤدي إلى التنحي في النهاية وإنما إلى إجهاض الثورة عليه في إطار الصفقة الكبرى التي تسوق لها روسيا وفي ظل المقايضات السرية التي تعمل على طرحها في بورصة المزايدات السياسية.. لأنها تعتقد أن مكاسبها من سوريا.. وإيران ومن يدور في فلكهما.. أو يعمل على تبني مواقفهما.. ستكون أكبر بكثير من مصالحها مع العرب.. وهو ما ستؤكد الأيام أمرين هامين هما: ** أن الروس يراهنون على وضع زائل ولا يمكن استمراره.. ** وأنهم يمارسون بمواقفهم الراهنة ابتزازاً سياسياً ترفضه الشعوب ولن تقبل به الحكومات ولن يسمح به المجتمع الدولي في النهاية.