كان الوقت ليلاً، ليلة من ليالي ثمانينات القرن الماضي. الحدث مقابلة تلفزيونية في إحدى القنوات الخليجية أيامَ المُدَوِّرْ (rotator)، أو الصعود الى السطوح لتوجيه (الأناتل) للحصول على استقبال صاف للقنوات الخليجية. ضيف اللقاء مسؤول كبير يُصَرِّحُ لِمُحَاوِرِهِ بما مفاده أنَّ بنات «الحمايل» لا يرغبن في مزاولة الرياضة، ولن يلتحقن بأيةِ أندية، في معرض إجابته عن سؤال طرحه عليه مُحَاوِرُهُ، عمّا إذا كان من المحتمل تأسيس أندية رياضية نسائية، والسماح للمرأة بلعب الرياضات المختلفة. بعد هذا الجواب الحاسم الذي قطع فضول المذيع بنصل «الحمايل»، انتقل الأخير، لا يلوي على شىء، إلى موضوع آخر. كان واضحاً أنَّ رياضة المرأة كانت خارج مدار تفكير المسؤول وخياله وأحلام يقظته. يبدو من اتكاء المسؤول على «الحمايل» في نفي وجود نساء، في بلده، يرغبن في مزاولة الرياضة أنه على وعي بعدم وجود الدليل الديني الذي ينص بشكل لا لبس ولا غموض فيه على تحريم الرياضة للمرأة، أو يصرح باقتصارها على الرجال. بيد أنه من الواضح أن الديني بوجهه الاجتهادي المتشدد تسلل إلى خطاب المسؤول متقنعا بالمجتمعي عبر استدعائه «الحمايل» التي ستحول دون انخراط بناتها في الرياضة منعاً لوقوع ثنائي «الخزي والعار»، وسداً للذرائع. الخطورة في كلام المسؤول لا تتمثل في رفضه للرياضة للمرأة، أو في استقوائه بالحمايل، إنما تنبع من استغلاله السلطة والامتياز اللذين يمنحهما إياه منصبه للتحدث بصوت الأغلبية الصامتة والغائبة في الآن ذاته. إن موقف الرفض الفردي الذي اتخذه المسؤول من الرياضة مستقويا بالمجتمعي لم يكن جديدا أو غريبا على المجتمعات الخليجية، وإن بدرجات من المألوفية والقوة والانتشار متفاوتة من مجتمع إلى آخر. ولاشك في أن مجتمعنا السعودي يتفوق على المجتمعات الأخرى في المنطقة بوجود سجل طويل حافل من المواقف الفردية أو الأقَلّويَّة التي تُفرَضُ على الأغلبيةِ التي لا يراها أصحاب تلك المواقف إلاّ كمجموعةٍ من القصَّر تعاني حالة توقفٍ دائمٍ عن النمو العقلي وبلوغ الرشد الديني والفكري، ولا تميز الخبيث بكل أنواعه من الطيب، ولا تعرف ما فيه مصلحة دنيوية وآخروية لها. الوصاية هي ما تعبر عنه وتجسده تلك المواقف الفردية في حال فرضها على الأغلبية لأي سبب من الأسباب وتحت أي حجة من الحجج؛ وللوصاية والأوصياء، في مجتمعنا، وجوه متعددة ومتنوعة شديدة التجهم. أوصياء ينتزعون ألسنة أفرادِهِ مجازيا ليتكلموا بها باسمهم ونيابة عنهم، غير مكترثين للأبعاد والدلالات اللا أخلاقية لصنيعهم، ولما فيه من تعدٍ على حرية وحقوق الآخرين. تذكرت المسؤول الخليجي وإجابته التي علقت بذاكرتي منذ تلك المقابلة بينما كنت أقرأ خبراً نشر في (الشرق) يوم السبت الماضي، مؤلفاً من الكلام الذي صرحت به ل(رويترز) السيدة نورة المناعي الرئيسة التنفيذية لملف قطر لاستضافة الألعاب الأولمبية 2020، وفيه تحدثت عن مشاركة فتاتين قطريتين في أولمبياد لندن هذا العام، هما السبّاحة ندى أركاجي والعدّاءَة نورة المالكي، ونوّهت المناعي إلى أنَّ الفتاتين ستكونان قدوة للفتيات الأخريات في قطر والمنطقة. لم ينقضِ أكثر من ثلاثين سنة منذ رفض المسؤول لفكرة الرياضة للنساء، وهاهي إحدى بنات «الحمايل» التي نَصّب نفسه ناطقاً بلسانها تُدِيرُ مشروعَ تنظيمِ وطنها ووطنه للأولمبياد، وتُبَشِّرُ بدورٍ كبيرٍ لوطنها في رفع مستوى رياضة المرأة في المنطقة. واللافت في موضوع رياضة المرأة في الخليج، أن بنات «الحمايل» الكبيرة هن من حملن لواء حركة الرياضية النسائية، ولم يكتفين بتشجيعها وإدارة شؤونها، بل مارسْنها في الداخل والخارج مثل الشيخة ميثاء بنت محمد بن راشد المكتوم لاعبة الكاراتيه والتايكوندو. وترأس الشيخة نعيمة الأحمد الجابر الصباح اللجنة التنظيمية لرياضة المرأة بمجلس التعاون، ولقد شاهدها العالم وهي تطوق أعناق الرياضيات العربيات والخليجيات بالمداليات في دورة الدورة العربية في قطر. لقد أصبح للمرأة الرياضية الخليجية فرق ومنتخبات في رياضات متعددة،وسيتوج هذا التحول( الإنجاز) الذي لم يخطر على بال ذلك المسؤول بمشاركة المرأة الرياضية السعودية في أولمبياد لندن هذا العام، إلى جانب أخواتها الخليجيات والعربيات. وقد سبق المشاركة الأولمبية القادمة مشاركة فارسات سعوديات في مسابقات دولية للفروسية، ولعب فريق جدة يونايتد لكرة السلة النسائية، على سبيل المثال، في دورات ومباريات في الداخل والخارج، آخرها مباراته في ماليزيا. بتحقق هذه المكاسب الرياضية للمرأة السعودية والخليجية، ينضم ذلك المسؤول الخليجي ونظراؤه من الممانعين والرافضين إلى القائمة التاريخية من كل الذين حاولوا إيقاف عجلة التغيير والتقدم، فباؤوا بالفشل. فعنهم ستحكي الأجيال القادمة: كان ياماكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، عاش أناس كانوا (كناطحِ صخرةٍ يوماً لِيُوهِنها/ فلم يَضُرّها وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ).