قامت مؤسسة «راند» البحثية مؤخرا بإصدار ونشر تقرير في غاية الأهمية بعنوان: «إسرائيل وإيران: تنافس خطير». وتحظى تقارير هذه المؤسسة عادة بأهمية قصوى وبالغة لدى صانع القرار الأمريكي سواء على مستوى التنظير أو التطبيق. فقد تأسست «راند» في عام 1948 ولها علاقات وروابط مع وزارة الدفاع الأمريكية، فهي تشرف على ثلاثة مراكز أبحاث تمولها وزارة الدفاع وغالبا ما يتم العمل بتوجيهاتها بناء على التقارير والأبحاث التي تقدمها للإدارة الأمريكية. يتحدث الفصل الثاني من التقرير المنشور في حوالي تسعين صفحة عن العلاقات الإسرائيلية – الإيرانية. وما يهمنا في هذا التقرير وفي هذا الفصل تحديدا تأكيد ما كنا نقوله منذ زمن حول العوامل التي تحكم طبيعة العلاقة بين إسرائيل وإيران، وكان كثيرون يشككون بها لدوافع عاطفية أو مصلحية في العالم العربي. يقول التقرير إنه لا يمكن تصنيف إسرائيل وإيران في الحالة الطبيعية على أنهما متنافستان، كما لا يمكن القول بأنّ النزاع الدائم بينهما هو أمر مقدّر ومحتوم. فالبلدان لا يملكان مشاكل حقيقية، وليس لديهما نزاعات حدودية ولا يتنافسان اقتصاديا. فقد حافظت كل دولة منهما تقليديا على مناطق مصالح منفصلة عن الأخرى بحيث لا يصطدمان. فمنطقة الهلال الخصيب تقع ضمن دائرة المصالح الإسرائيلية، فيما يقع الخليج العربي ضمن دائرة المصالح الإيرانية. ووفقا للتقرير، فإن العلاقة بين الدولتين غالبا ماتستند إلى المصالح الجيوبوليتيكية المشتركة، ولا يقتصر الأمر على التعاون بينهما في مرحلة ما قبل الثورة الإيرانية عام 79 بل وما بعدها أيضا!. فالشاه كان يرى في العلاقة مع إسرائيل موازنا للثقل العربي، فيما كانت إسرائيل تنظر إلى إيران كعنصر مهم في «عقيدة شد الأطراف» الجيوبوليتيكية لمحاصرة العرب أيضا. ومع رحيل الشاه ومجيء الخميني، وجدت كل من إسرائيل وإيران في العراق عدوا مشتركا، وعقبة كبرى فيما يتعلق بمصالح الأمن القومي لكلتا الدولتين. ولذلك قررت إسرائيل دعم نظام الخميني الوليد آنذاك بالسلاح وكسر العزلة الدولية التي كانت إيران تعاني منها للمساعدة على مواجهة خطر صدّام حسين. ويضيف التقرير، حتى في مرحلة ما بعد موت الخميني، قام عدد من القيادات الإيرانية بانتهاج سياسة أكثر براجماتية تجاه إسرائيل خاصة في عهد تولي رفسنجاني للرئاسة (1989-1997) وخاتمي (1997-2005) حيث عمد الطرفان إلى إعادة صياغة إيران اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا عبر كسر عزلة إيران الدولية وهو ما استلزم أيضا الحد من التوتر مع إسرائيل، وتم تقويض هذه السياسات من قبل بعض الراديكاليين الإيرانيين كما أن الجانب الإسرائيلي لم يكن مهتما بالانفتاح على الإصلاحيين الإيرانيين.وعلى الرغم من أنّ التقرير أشار إلى أنّ إمكانية تحول إيران إلى قوة نووية قد يزيد من احتمال النزاع المباشر بين البلدين، إلا أنّه لم يذكر شيئا عن وجود عداء حقيقي رغم سيل التصريحات الإيرانية بمحو إسرائيل عن الخريطة ومواجهتها. فالتقرير يشير إلى تحول العلاقة إلى شيء من التنافس، بل ويوصي واشنطن في حال امتلاك طهران للسلاح النووي بالمساعدة على فتح قنوات اتصال مباشرة بين الطرفين تل أبيب وطهران!