حائل رباح القويعي الجائزة والرواية تأخرتا ليلتقيا صدفة! فاز الروائي سعد الدوسري بجائزة وزارة الثقافة والإعلام عن روايته «الرياض نوفمبر 90»، التي كتبها عام 1992، لكنه لم يتمكن من نشرها رسمياً إلا في عام 2011. وأشار الدوسري إلى أن الفوز سيكون دافعاً له «للمضي في طريق الرواية»، بعد الهدوء الذي ألمّ ب«ثورته الروائية» منذ عام 1996. مؤكداً أن روايته الفائزة واجهت وضعاً استثنائياً بتأخر صدورها الرسمي طوال عشرين سنة. * ما مشاعرك تجاه حصول الرواية على الجائزة بعد هذه السنوات؟ - في عام 1981م، سعدتُ بفوزي بجائزة القصة القصيرة على مستوى جامعة الرياض «الملك سعود حالياً». هذه السعادة دفعتني للمضي في طريق القصة والمثابرة فيه. اليوم، في داخلي سعادة أكبر، لأنه وبعد ثلاثين سنة، تفوز روايتي بجائزة مؤسسة ثقافية أكبر وذات قطاع أوسع. ومرة أخرى، سعادتي ستدفعني للمضي في طريق الرواية. * ما مقدار التعويض الإعلامي الذي قدّمته الجائزة للرواية، قياساً بخسارة التواري والاختباء لعشرين سنة؟ - روايتي لم تختبئ ولم تتوارَ؛ إذ إن النسخة غير الرسمية، كانت منذ 1992م بين أيدي الناس، يتداولونها ويتناقشون حولها، إلى أن اختارتْ أن تظهر رسمياً عام 2011م. لقد كان ثمة تواطؤ بين الرواية والجائزة، فكلتاهما تأخرت، لكي يلتقيا بهذه الصدفة العجيبة! * هل يعكس تغيّر الموقف الرسمي تجاه روايتك تغيّراً فعلياً سيشمل الأعمال الروائية المماثلة مستقبلاً؟ - لأكن صريحاً معك، وسأتحدث بصفتي الثقافية، بعيداً عن فوزي بالجائزة: لو قُدرَ للجائزة أن تستمر، وأن تستمر نفس العقليات التي أشرفت عليها هذا العام، وأن تستمر نفس أنماط لجان التحكيم التي قيَّمتْ الكتب المرشَّحة، فإنني سأستطيع أن أؤكد بأنه صار لدينا تغير إيجابي في المؤسسة الرسمية الإعلامية. * متى بدأت تحديداً بكتابة رواية (الرياض – نوفمبر 90) وما ظروف الكتابة؟ - بدأت كتابة هذه الرواية آواخر عام 1991م. وكنت قبل هذا التاريخ أفكر في تسجيل المرحلة التاريخية المهمة التي عشناها قبل وبعد اجتياح النظام العراقي لدولة الكويت. كان هذا الحدث مفصلاً مهماً في التاريخ الحديث، ليس محلياً ولا إقليمياً بل دولياً، ولابد أن كل كاتب في العالم فكر في الكتابة، أو كتب فعلاً، عن هذا المفصل. * هل قررت عدم النشر احتياطاً من تلقاء نفسك وعبر نصائح الأصدقاء، أم كانت هناك مؤشرات رسمية حذّرتك من النشر؟ - لقد كنت جرئياً في كتابة النص وفي توزيعه عام 1992 على كل الأصدقاء والزملاء، داخل المملكة وخارجها، ومعظمهم كتبوا لي آراءهم التي لاأزال أحتفظ بها. من هذه الأسماء: أدونيس ومحمد بنيس والطيب صالح وصنع الله إبراهيم وقاسم حداد وسليم بركات ومحمود درويش وممدوح عدوان ومي غصوب وحازم صاغية وعبدالعزيز المقالح ومحمد العلي وعبدالله الغذامي وعبدالعزيز مشري ومعجب الزهراني ورجاء عالم وفوزية أبوخالد ومحمد آل الشيخ وفوزية البكر وأحمد الملا ومحمد الدميني وعبدالوهاب العريض وعشرات النقاد والروائيين والشعراء العرب. هذا بالإضافة إلى أن الرواية «كمخطوطة» كانت تباع في بعض المكتبات! أما النشر الرسمي، فلم أكن موفقاً فيه إلا مؤخراً، لأسباب لا أملك مفاتيحها، بل تملكها الجهات التي تعاملت معي. * هل كان شيوع النشر والتداول السرّي في التسعينيات مما سهّل عليك قرار عدم النشر العلني؟ - أنا عايشت جيل السبعينيات، وانتميت لجيل الثمانينيات، وهذان الجيلان التجديديان تشكلت ثقافة أبنائهما من خلال بوابات النشر السري. كانت معظم الأعمال الجديدة تُقرأ في اللقاءات المنزلية، أو تُرسل للمهتمين عبر المظروفات البريدية. لقد أنفقت ثروة «بمقياسي الاقتصادي» على إرسال روايتي بالبريد، للأصدقاء داخل وخارج المملكة! * هل سيملك قارئ الرواية رؤية «واقعية» عن ظروف تلك السنوات غير التقليدية من عمر المجتمع؟ - سيفاجئك هذا الكلام كما فاجأني. فلقد كان أكثر من تفاعل مع الرواية منذ صدورها العام الماضي، هم الشباب والشابات الذين لم يعيشوا أزمة الخليج عام 90م! لقد كان تفاعلهم تعبيراً عن الدهشة المعرفية بما لم يعايشوه، وهذا أبهجني جداً. شعرت أن الرواية قدمتْ لهم شيئاً. * هل أثّر المصير الذي واجهته الرواية على نشاطك الروائي هذين العقدين؟ - بعد رواية (الرياض نوفمبر 90) صرت لا أفكر إلا روائياً. بعد خمس سنوات، أنجزت رواية (مواطئ الوقت). بعد ذلك هدأت الثورة الروائية عندي، وعدتُ أكتب قصصاً قصيرة، وكتباً للأطفال. * متى ستنشر رواية (مواطئ الوقت)؟ وماذا تقول عنها؟ - القراء هم من سيقولون لي عنها عندما تصدر. أما متى، فلقد تعلمت من (الرياض نوفمبر 90) ألا أجيب على هذا السؤال! مقطع من رواية الرياض نوفمبر 90 صمتتْ برهة ثم قالت: – اتصلت عليك قبل ثوان. – لم أتوقع أنه أنت، لذلك لم أرد. – ما بكَ؟! كأنك متوعك. – لا، كنت أقرأ محضراً تعيساً. – يزعجكَ أن أتحدث معك قليلاً؟! – لا أبداً. – كنت قد سألتك عن المظاهرة، أأنت معها أم ضدها؟! – رأيي في المظاهرة لن يغير في الموضوع شيئاً. كأنها شعرتْ بمماطلتي، فحاولتْ أن تغير الموضوع. – لقد وُزع ليلة البارحة منشور يتضمن الأسماء الثلاثية لجميع المشاركات وأعمارهنّ، وأُورد فيه أسماءُ أزواجهنّ وآبائهنّ، وأمام اسم كل منهم كلمة شيوعي أو علماني أو إمبريالي. – الجميع يعرف أن الشرطة أخلت سبيلهنّ. – أخلتْ الشرطة سبيلهنّ، هذا صحيح، أطلقته لشرطة أكثر توحشاً. لقد أهاب المنشور بكل من يقرأه، أن يفعل تجاه البنات ما يشاء، لقد أباحوا للناس أن يصدروا تجاههنّ ما بدا لهم من أحكام، وأن ينفذوا الحكم بالطريقة التي تحلو لهم. هل هناك أكثر فظاعة من ذلك؟! – لابد يا هيفاء أن يدفعنَ للماء الذي اهتاج، جزيةَ الحجارة. صمتتْ ثوان، ثم قالت: – هل أنت مع حجارتهنّ؟! قاطعتُها بحدة: – ماذا تريدين مني بالضبط؟! – لا شيء. لا شيء. استدركتُ معتذراً: – لدي أوراق يجب أن أنجزها. – كما تشاء. أحببتُ فقط أن أمدّ لك يداً. أن أخفف من كآبتك. قلتُ لها: - شكراً لكِ. قاسم حداد