أدلى عدد من النقاد والمتابعين للشأن الأدبي بشهاداتهم حول فوز الروائي عبده خال بجائزة البوكر في نسختها العربية، متناولين في حديثهم تجربة خال الطويلة في هذا المجال عبر عدد من الإصدارات الروائية والتي كان لها حضور قوي على كافة المستويات المنظور في إعادة طباعة عدد من هذه الأعمال في عدد من الطبعات، وتناقل عدد من الدور العالمية لطباعتها. ويتفق الجميع على أن فوز خال ب «البوكر» يعد تكريمًا للرواية السعودية خاصة في ظل هذا الحراك الروائي السعودي المتصاعد في كل عام عن العام الذي سبقه، وتشهد تطورًا على كافة المجالات. ثمار واحتراق يستهل الروائي إبراهيم مضواح الألمعي الحديث بقوله: نحن شركاء الروائي عبده خال في منجزه الإبداعي، أقصد شركاء في جني ثمرة هذا الإنجاز، أما الاحتراق الإبداعي فهو من نصيب عبده خال وحده، فنحن الروائيين على وجه الخصوص، نحتاج إلى الالتفات إلى أعمالنا الروائية ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العربي، وهذا الفوز المستحق يحيل إلى وجود أعمال روائية متميزة في الساحة الأدبية السعودية جديرة بالاحترام، ويزيل ما علق بثقافتنا من تصورات خاطئة، مرة بتهمة الأدب النفطي، كما يقول بعض إخوتنا العرب، الذين لم يكلفوا أنفسهم استقراء الساحة الأدبية لدينا وما تشهده من تطور، وأخرى بتهمة البحث عن الشهرة من خلال الأعمال الروائية التي تركز على التابوهات، واجتراح المحظورات، وكشف المستور، دون أن يكون لذلك قيمة فنية حقيقية، ومن خلال لفت الانتباه إلى أعمال ذات قيمة فنية كبيرة. ويتابع الألمعي حديثه مضيفًا: إن علينا استثمار هذا الانجاز في تصحيح هذه الصورة، بإشهار الأعمال ذات القيمة الحقيقية، وها هو عبده خال يتيح لنا ذلك من خلال الدأب والإخلاص لهذا الفن العصي، ويحقق باستحقاق جائزة كبيرة، فله خالص التهنئة بهذا الفوز الكبير، وإلى العالمية إن شاء الله، وشكرًا لعبده خال لما أسدى إلى فننا الروائي من قيمة إضافية، ولفت للأنظار إلى أن هناك كتّابًا لا يبحثون عن الشهرة من أقصر دروبها، بل يكدون وينحتون في الصخر ليقدموا أعمالاً ذات قيمة فنية كبيرة، سالكين الطرق الوعرة التي توصل إلى المجد والخلود، فمبارك لنا ولعبده خال، وإلى مزيد من الإنجازات، بعون الله تعالى. انبهار بالجديد أما الشاعر والناقد سعد الثقفي فيقول: تظل البوكر، النسخة العربية من هذه الجائزة حلمًا يراود الكثيرين. سيما والجائزة لها سمعتها، حتى قبل أن يُصبح لها نسخة عربية. ومن هذا المنطلق كان الحصول على الجائزة أمرا مهما ليس للفائز فحسب، ولكن حتى لثقافته التي جاء منها ونهل من معينها، ومهما قيل عن «ترمي بشرر» أو حتى عن روايات عبده خال الأخرى، فمسألة النقد، وتذوق العمل الفني هي في النهاية مسألة متباينة بين كل شخصية وأخرى، وقد نتفق على خصائص عامة رجحت هذا العمل الأدبي دون غيره، وقد تلعب الظروف لعبتها من حيث الهيئة المحكمة، فتميل نحو عمل ما، ويظل هاجس human factor من أكثر العوامل التي تؤثر على العمل أي عمل كان، فما بالك بذهاب جائزة نحو شخص ما دون غيره! ويمضي الثقفي في حديثه مضيفًا: هذه العوامل جميعها وما ذكرت آنفًا، كانت كلها تدور في الساحة الثقافية واللجنة المحكمة تفرز عملها في التصفيات النهائية للجائزة حول الروايات الست النهائية. وقتها كنتُ أنظر لأمر آخر هو من هي الهيئة المحكمة، وما هو مستوى المحكمين من حيث تخصصاتهم! وهل بالإمكان الحصول على تحكيم دقيق لا يتطرّق إليه شك! أنا أعتقد أنّ الروايات الست هي من التقارب بحيث تصل إلى الجائزة، وقد تكون رواية عبده خال ورواية شارع العطايف لعبدالله بخيت هي الأكثر بروزًا، ولكنّ يجب أن نأخذ في الاعتبار هذا الانبهار الذي يحدث لدى العرب وكل من يقرأ العربية وهم يقبلون على قراءة وشراء نتاجنا الروائي، وكأننا نكتب فنًّا جديدًا لم يصلنا إليه أحد. والسبب في ذلك من وجهة نظري هو ذلك الكشف الذي يحدث في كل العالم، ما عدا هنا حيث ظهرت الرواية السعودية بقوة في العقدين الأخيرين لتكشف عن ما خفي من أسرار هذا المجتمع، وهو ما عملت عليه روايتا (خال - بخيت) وغيرهما، ومن هنا من وجهة نظري كان ذهاب الجائزة لنا، وأعني ب (لنا) مجتمعنا الثقافي. ويتابع الثقفي بقوله: لقد قرأت لعبده خال من قبل، وقرأت كثيرًا من روايات مشهدنا الثقافي، وأعتقد جازمًا أنّ المنقّب النقدي الجيّد سيميط اللثام عن كثيرٍ منها في يوم ما. فقد تكون جيدة من حيث الطرح والمضمون، لكنّ هذه الرواية مهما بلغت من الشهرة لا تقارن بروايات روائيين، وهم من هم منذ عقود في كتابة ونشر الروايات الكبار. وهذا ليس تقليلاً من أدبنا ولا عدم ثقة بروائيينا؛ ولكنّني أعتقد أن تقدّم رواياتنا المحلية سواء التي فازت بالجائزة أو التي لم تفز؛ هو من باب الانبهار بالجديد (الكاشف) لما هو موجود في مجتمع صوّر عبر روايات عربية سابقة وكأنه يرزح تحت سقف من الأغلال والقيود، كما في نجران تحت الصفر على سبيل المثال. ومن هنا يبرز دور هذه الروايات في إظهار الصورة الحقيقية لأدبنا، ومحاولة محو تلك الصورة القديمة والباهتة عنه، فهو إمّا مجتمع جاهل لدى البعض أو مجتمع مُرفّه، غني لدى البعض الآخر. ويختم الثقفي بقوله: نحتاج كثيرًا من الروايات السعودية للفوز بجوائز، بل نحتاج كثيرًا من النتاج الأدبي المحلي للفوز بجوائز، وهذا لا يعني أننا بحاجة لمن يظهرنا إعلاميًا أو أننا نفتقر للثقة التي عادة تكون لدى المبتدئين في ميدان ما؛ لا! الذي أقصده فوزنا بهذه الجوائز هو الوضع الطبيعي الذي نستحقه، يجب أن نكون في المقدمة لأننا نستحق ذلك من وجهة نظري، وأدبنا جيد متى ما آمنا به نحن قبل الآخر، وعبده خال حين بدأ ينحت من صخرة هذا المجتمع ويهندس رواياته كما يفعل من يزخرف بالأزميل حجرًا، هو خير مثال على من يختط لنفسه دربًا مغايرًا، تعب في رسمه لكنه وصل على أية حال، هذا المجتمع مليء بما يمكن أن ينتج أدبًا جيدًا. تحوّلات الطفرة، الأحداث الجسام التي مرت بنا، ما نحن عليه اليوم، كلها عوامل تساعد على استلهام ما يمكن أن يصلح بيئة جيدة لإنتاج ثقافة ما. سواء أكانت رواية أو غيرها. وفوز عبده خال عمومًا بهذه الجائزة، هو محفّز لبقية زملائه على التنافس من أجل الوصول إلى البوكر وغير البوكر من الجوائز. فوز مستحق أما القاص حسن علي البطران فيقول: إن فوز الروائي عبده خال بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية عن روايته «ترمي بشرر» ليس بمستغرب ولا بغريب والغريب إذا لم يفز مع شدة احترامي وتقديري للأعمال الأخرى المنافسة، وهذا يعني وصول الرواية السعودية إلى العالمية. ف «خال» كاتب روائي كبير له ثمان روايات كلها ذات عمق في العمل الروائي وذات قيمة عالية في الإبداع وهذا الفوز تتويجا ليس لخال بل للرواية السعودية وأنها -أي الرواية السعودية- وصلت إلى مرحلة ما بعد النضج وهي مرحلة حصد الجوائز وخير دليل «ترمي بشرر»، وأن الرواية السعودية أخذت تتناسب سواء من حيث الكم أو الكيف والطفرة الإبداعية السعودية. ويختم البطران بقوله: لقد توقعت هذا الفوز له منذ البداية وتيقن لي فوزه حينما أعلنت القائمة القصيرة .. فعبده خال لا يخفى أنه من كبار الروائيين السعوديين والآن أصبح من كبار الروائيين العرب، وهذا الفوز بالبوكر يدل على الطفرة المحمومة التي يشهدها العمل الروائي في السعودية من الجنسين الرجال والنساء، وخلاصة القول إن عبده خال حاز على البوكر العالمية ويستحقها بجدارة رغم المنافسة للأعمال الأخرى. مسحوق أجاد التعبير ويشارك الشاعر محمد الزهراني بقوله: قبل الجائزة نعرف أن عبده خال كاتب مهم في المشهد الإبداعي، وأعتقد أن السبب في ذلك يعود لمشاركته للإنسان البسيط في همومه. والذي يلتصق بشخصياته في الروايات يعرف أنه “مسحوق يجيد التعبير عن المسحوقين. ولو كتب بعض من يدعي الرواية بروح خال وبمثل مسؤوليته وإخلاصه وانتمائه للبيئة لوجدنا أسماء كثيرة مثل عبده خال وأجمل. نعم الألم يكتب الألم والإنسان المهمش يبحث عن من يعكس انفعالاته في مجتمع يتآكل بصمت. ويمارس سخافاته وهو يدعي الفضيلة! هذا المجتمع ملّ من ازدواجية الفكر وسلبية المثقف المتعالي. ويتابع الزهراني مضيفًا: أعتقد منح جائزة البوكر للروائي عبدة خال يعطينا دلالات عدة، ويشير إلى تحول قادم في تجربة عبده الكتابية وتجربة الروائيين السعوديين بشكل عام. هذا الفتح الثقافي يشجّع المواهب الخليجية التي لا يحتفل بها الآخر العربي إلا من باب “أنها محاولات جيدة لمجتمع خليجي لا يعرف عنه إلا النفط”. نعم لدينا عبده خال ورجاء عالم والقصيبي والحمد والمحيميد. وهناك أسماء قادمة. والزمن كفيل بذلك. أقول ذلك. وإن كنت كقارئ، لا أحب بعض اسقاطات عبده خال في بعض رواياته، لكني على سبيل المثال: وجدت روايته “فسوق” بين أيدي الطلبة في مدينة ملبورن في استراليا، الرجل مقروء. وحين يدهشني زميلي في العمل “كمطوع مثقف” حين يناقشني في روايات عبده خال أعرف أنه وصل إلى ذهنية لم يكن من السهل اقتحامها قبل عشر سنوات مثلاً دون تهم الرفض والإقصاء. ويمضي الزهراني في حديثه بقوله: يجب أن نتذكر أن لدينا مواهب يمكن أن تقدم شيئًا مهمًا للإنسان وللحياة لو أحسنت الإحساس بتفاصيل الألم، من جهة؛ ومن جهة أخرى لو أخلصت للعمل السردي الذي يتطلب التأني والمراجعة. ومن المضحك أن أحد المرشحين لجائزة البوكر “أنجز 18 رواية” وعمره 37 سنة فقط. ومع ذلك لم تمنح له الجائزة، لأن العبرة بالمضمون وعمق التجربة . أما الثرثرة السنوية بكثرة الإصدارات فلا معنى لها. ويضيف الزهراني: بالمناسبة، وأنا اقرأ احتفال بعض الصحف بعبده خال؛ أعجبتني فكرة طرحها الدكتور حسن النعمي في فضاء آخر حيث قال: “فوز عبده خال تأكيد لتطور الرواية السعودية، ومحرض على التجاوز الفني لجيل كامل من الكاتب والكاتبات.. ولن يتوقف طموحه عند هذه الجائزة، لكنه يحتاج إلى التجاوز الذي يتطلب منه قراءة السياق المختلف من حوله، فلم يعد بعد اليوم كاتبًا محليًّا”. ويختم الزهراني قائلاً: العمل الجاد الذي لا يتوسل الجوائز. ولا يسترضي منابر المديح ونباح الأصدقاء المزيف، هذا العمل يثبت الكاتب في ذهن المتلقي. لذلك أنصح الكُتّاب وأنا أولهم “اعتبروا من إخلاص عبده خال لتجربته” اكتبوا؛ فهناك من يقرأ وينتظر المطر. نافذة نحو العالمية القاص والروائي علي المجنوني يرى عبده خال أنموذجا تقرأ في كتاباته الإنسان الذي يتغلغل في أجساد البسطاء لينحت في الذاكرة ما تعانيه تلك الأجساد من ضنك الحياة وآلام تحطم الأحلام على صخرة الواقع الدامع لهم، ماضيًا إلى القول: من يقرأ لهذا المبدع لا يمل أن يستزيد منه، وفوزه هو نافذة نطل من خلالها على العالم العربي والعالمي، وبهذا نتنفس التميز وأننا لسنا بلدا مستهلكا كما نوصف أحيانًا؛ بل ننتج ونبهج ونكون منهجا لمن أراد أن يبدع. ففوز عبده هو فوز لكل مبدع مسكون بالناس والحياة. نهاية ثقافة البترو دولار ويقول الشاعر أحمد أبو حيمد: إن المشهد السعودي / الخليجي الروائي كان بحاجة لمن يرفع لواءه ويجدد وفاءه مع التميز، وكان بحاجة للاعتراف بجودته؛ وما فوز هذا الأسمر المؤثر إلا بطاقة اعتراف بأننا مبدعون، وأن لدينا ثقافة فكرية، أما (ثقافة البترو دولار) التي دومًا ما نوصف بها فقد ولت وأدبرت وانتهت مع هذه الجائزه، نحن كمثقفين نستلهم من هذا المبدع جمال البدايات ونعني التأثير الذي سنظل نسير وفق أطره والتي ستجعلنا نصل للإبداع كما وصله هذا المبدع الذي (للأسف) لم نعطه ونضفي عليه ونحتفي به كما يجب علينا أن نفعل. علامة فارقة ويقدم القاص والمترجم خلف سرحان القرشي شهادته بقوله: مبهج أن نقرأ فوز هذا المبدع وفوزه هو إنصاف للرواية السعودية؛ فلو تتبعنا ملامح “ترمي بشرر” لوجدناها تكتب عن ما بدواخلنا والتي نعجز أحيانًا من أن نتفوه بها؛ لقد كانت الجائزة قليلة بحق هذا المبدع؛ فهو أكبر من كل جائزة.. فهو متميز. ومثال حي لكاتب لا تنضب ثرواته.. سنذكره كثيرًا، وزمنًا طويلاً لأنه نافذة لكي يقرأنا الآخر، إذا هو سفير الإبداع والممثل الأول له، عبده خال إنسان يشدك في تواضعه وخلقه، وفي موهبته، وفي حمله العبء الثقافي إذ هو مبدع مختلف ومتميز وعلامة فارقة في السرد السعودي، وأذكر أن المبدع الناقد السوداني حامد بدوي قال ذات مرة (في الثمانينات) وقبل أن يصدر عبده خال أيا من روايته: (لو كان هناك رواية سعودية مختلفة لكانت بقلم عبده خال)، أو هكذا قال.