استحوذت الفكرة الرئيسة لمنتدى “مسك العالمي” الأخير، “مهارات المستقبل” على درجة عالية من التوازن الدقيق الذي يواجهه رجال الأعمال السعوديون اليوم في سعيهم لتسخير إمكانات التحوُّل التكنولوجي المتقدم. أدركت “مسك” أهمية إشراك قادة الأعمال والقادة الاجتماعيين المستقبليين، في مناقشة استباقية ومثمرة للمهارات والخبرات التي سيحتاجون إليها في المستقبل، حيث نعلم جميعًا أن التغيير سيكون ثابتًا، ولكننا لا نعرف بالضبط ما سيبدو عليه مثل هذا التغيير. كانت تلك هي الرسالة الأساسية لمونتاج الفيديو الافتتاحي لمنتدى مسك العالمي الذي طرح هذا السؤال على الجمهور: “كيف يبدو المستقبل، في عالم يتغير فيه كل شيء؟” وعود التحول التكنولوجي مقنعة جدًّا، ومثيرة جدًّا في نفس الوقت، وهذا ما تمَّ التحدث بشأنه فعلا. لذلك من المتوقع أن يستثمر المديرون التنفيذيون فيه كأساس لتحقيق النمو والنجاح في المستقبل. مع إمكانات التحوُّل التكنولوجي المغري جدًّا، هل يمكن أن يشكِّل ذلك حاجزًا منيعًا لدرجة يفقد معها قادة الأعمال الحقيقة الأساسية؟ ما زال الموهوبون يشكلون أهمية كبيرة، وكذلك ثقافة الفوز. حالة المحرّك الأول، هي المكانة العظيمة التي يمكن امتلاكها، على الأقل لبعض الوقت. يسمونها “حالة المحرّك الأول” لسبب ما. لأنها لا تدوم طويلا. ولا بد من اللحاق بركب المنافسة. سيقومون بالتطوير أو الشراء أو الإيجار أو التأجير لنفس التكنولوجيا أو تكون شبيهة بها. وربما كانت ليست بنفس مستوى الجودة والسرعة والقوة والذكاء. ثم مرة أخرى، وربما حتى أفضل وأسرع، وأكثر قوة وأكثر ذكاء. وهكذا، ما الذي للشركات لتفعله؟ الكوادر الممتازة لا يقتصر دورها على قيادة عصر التكنولوجيا الجديد فحسب، بل أيضا الحفاظ على مواقعها القيادية، وهي تلك التي تبني بنجاح الثقافة التي تدمج الابتكار في الموهبة والتكنولوجيا في إطار استراتيجية واحدة. هذا هو التوازن الذي يحتاجه قادة الأعمال لدينا لجعل الأولوية رقم واحد. نحن نعلم عبر جميع صناعات السوق أن المستثمرين يستثمرون في التكنولوجيا المتقدمة. ولكن هل يركز قادة الشركات في المملكة العربية السعودية على جانب الأشخاص من المعادلة، كما هي الحال في الركض نحو التكنولوجيا الجديدة؟ بحث جديد ينفي ذلك. وقد شملتْ الدراسة البحثية التي اجرتها كورن فيري بعنوان “مستقبل العمل: تحوّل المواهب” إجراء مقابلات مع أكثر من 1,500 من المدراء التنفيذيين ورؤساء الموارد البشرية في أفضل الشركات حول العالم، بما في ذلك لجنة من المملكة العربية السعودية. وينصبّ تركيز الدراسة على اكتساب معرفة مباشرة بالتحديات التي تلوح في الأفق فيما يخصُّ المواهب، وما تقوم به الشركات الكبرى للإعداد للقوى العاملة المستقبلية. ويبيَّن التقرير بأغلبية ساحقة أن الشركات تعطي الأولوية للتكنولوجيا على حساب الناس. وفي ما يلي بعض الإحصاءات الأساسية فقط من التقرير: صنف 68% من المديرين التنفيذيين في المملكة العربية السعودية التكنولوجيا رقم واحد كأولوية استراتيجية قال 70% أنه من الأسهل التخطيط للتكنولوجيا والأصول الملموسة بدلا عن الناس. 55% يقرون بحالة التشتت الذهني الناتجة عن وعود التحوُّل التكنولوجي على حساب استراتيجة الناس. الغريب حول النتائج هو أن هؤلاء القادة أنفسهم يعرفون أنهم يواجهون أزمة موهبة خطيرة يمكن أن تشكل تحديات مالية كبيرة لمستقبلهم. وفيما يلي بعض النتائج المثيرة للاهتمام: 86% من المديرين التنفيذيين يقولون بأن هناك نقصًا مباشرًا من المواهب الماهرة اليوم في السعودية، مع تصنيف خطورة 70% من هذا العجز. يعتقد 60% أنهم سيضطرون إلى زيادة الرواتب بشكلٍ غير مستدام لمعالجة نقص المواهب. يقول 54% أن عجز المواهب سيحدُّ من تأثير استثماراتهم في التحوُّل التكنولوجي في حين يخشى 46٪ من أن نقص المواهب سيحد من الربحية وكذلك من إمكانات النمو. والحقيقة هي أن قادة الأعمال يعرفون أن التكنولوجيا المتقدمة أمرٌّ لا بدَّ أن يظلَّ قادراً على المنافسة في المستقبل. كما أنهم يدركون أهمية الأفراد، لتحسين القيمة الكاملة وتأثير استثماراتهم التقنية الضخمة. المشكلة هي أنهم لا يعرفون كيفية التخطيط لقوة عمل في المستقبل، عندما لا يعرف الكثيرون عن الوظائف التي يرغبون في شغلها وما المهارات والخبرات التي يحتاجها موظفوهم ليكونوا ناجحين. لم يواجهوا هذا النوع من التحدي مطلقًا، حيث أن التغيير بات يحدث بوتيرة سريعة، وببساطة لا يتوفر عدد كافٍ من الأشخاص يتمتعون بالمهارات المناسبة للقيام بالمهمة. وفي ظلِّ غياب ” معيار واحد يناسب جميع الحلول” أو خارطة طريق يمكن على القادة اتباعها، هناك خطوات واضحة جدًّا يجب على الشركات اتخاذها اليوم للتخطيط للمستقبل. الأول هو الإدراك بأن كبار القادة بحاجة إلى دعم الاستثمار في الأفراد بنفس الطريقة التي يدعمون بها الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة. لقد أثبت التاريخ أن الرؤساء التنفيذيين الأكثر نجاحًا يرون أنفسهم ويتصرفون كمسؤولين كبار لهذه المواهب. وهذا صحيح اليوم كما كان في الماضي. خطوة أخرى مهمة هي الالتزام ببناء قوة العمل من الداخل في المستقبل. الاستثمار في خلق بيئة تعليمية مستمرة تكون أقل بكثير من دفع رواتب غير مستدامة للعمال البدلاء. في حين أن هناك العديد من الأشياء المجهولة حول مهارات معينة سنحتاجها في المستقبل، يمكنك النجاح في تطوير القوى العاملة الحالية لديك. نحن نعرف بعض الشئ حول كيفية إعداد الموهوبين، والتأهيل على الإدارة، والتكيف مع التغيير لمساعدة الشركات على المناورة بنجاح من خلال بيئة عمل غامضة في المستقبل. وأخيراً، تحتاج الشركات إلى تقييم ثقافة موظفيها بصدق وموضوعية. إن توظيف المواهب ذات المهارة العالية والاحتفاظ بها يعني أنها يجب أن تكون لديها قدرة التنافس على المواهب النادرة أكثر من مجرد السعي للحصول على المال. الناس بحاجة إلى الوثوق بالمؤسسة والإحساس بالهدف، مع الإيمان بأنهم يملكون الفرصة لتقديم مساهمة ذات معنى أثناء تطوير مستقبل مهني. بدأ منتدى مسك العالمي نقاشًا مهمًا يجب علينا جميعًا مواصلته. وأن مستقبل العمل ليس فقط حول الاختيار بين التكنولوجيا والأفراد. إنه يتعلق بتوحيد التكنولوجيا والأفراد بنوعٍ جديدٍ من الارتباط. إنه يتطلب التزامًا طويل المدى ورعاية يومية. نتوقع أن تكون هناك تحديات ولن تكون متناغمة دائمًا. بعد هذه المعرفة، وعندما تجد هذا التوازن الصحيح يمكنك أن تخلق، وبشكلٍ قويٍّ لا يصدق قوة لا يمكن الوقوف أمامها؛ التكنولوجيا والأفراد، توحُد النجاح. بقلم جوناثان هولمز ، العضو المنتدب والرئيس الإقليمي ، كورن فيري الشرق الأوسط وأفريقيا