الكثير منا يهتم بالمستقبل ويريد أن يعرف ما الذي سيحدث فيه، وهذا بلا شك في علم الغيب، ولكن القليل يستطيع أن يرسم ذلك المستقبل ويتنبأ بما سيحدث فيه إذا ما هو قرأ الماضي والحاضر الذي يعطي ولو بشكل بسيط قراءة عن المستقبل، النجاح في عالم المال والأعمال وفي الحياة بشكل عام يرجع في المقام الأول للتوفيق من الله سبحانه، ومن ثم لمن يستطيع أن يقرأ المستقبل وتلك مهارة لا يجيدها إلا القليل من الناس ولذلك تميز البعض. والسؤال الذي يُطرح هنا ما طبيعة العمل في المستقبل وكيف يمكن للشركات والمؤسسات والمنظمات وحتى الأفراد أن تتواكب مع التغيرات التي تحدث بشكل سريع؟ تقول ليندا جراتون أستاذة الإدارة التطبيقية في كلية إدارة الأعمال بلندن في بحث شمل أكثر من 200 رئيس تنفيذي في العالم أن هناك قوى مباشرة سيكون لها التأثير الكبير في العالم خلال العقدين القادمين وهما التغيرات التكنولوجية والتغيرات السكانية. لا يوجد لدي أدنى شك أن ثورة التكنولوجيا في بدايتها وأنها دورة بدأت تقريباً منتصف التسعينات ومرشحة لتبلغ ذروتها في عام 2040م، تماماً كما حدث في صناعة السيارات فبدأت السيارة بسيطة في بداية القرن الماضي ومن ثم تطورت بشكل سريع ووصلت ذروتها وأصبح التطور بسيطا ويشمل فقط التكنولوجيا في صناعة السيارة. من هذا المنطلق فإن الأخذ في الاعتبار التغيرات التكنولوجية شيء هام لقراءة المستقبل، على سبيل المثال (ماك جرو هيل) من أكبر شركات النشر في الولاياتالمتحدة وقعت اتفاقية تعاون مع شركة أبل لنشر جميع الكتب التي تنشرها إلكترونيا خلال العشر سنوات القادمة، مما يعني أننا في الطريق للاستغناء عن الكتب والمجلات والصحف يدوياً والاكتفاء بالنسخ الالكترونية. من هم في سن العاشرة والعشرين من العمر في الوقت الراهن هم من سيقود الشركات والمؤسسات والمنظمات في عام 2050م، وبالتالي من الحكمة الإعداد الجيد لذلك الجيل ومعرفة متطلباته واحتياجاته وتسليحه علمياً بما يتوافق مع طبيعة ذلك الوقت. التغيرات السكانية والنمو الكبير التي تشهده آسيا على حساب أوربا وأمريكا سيكون له تأثير كبير في قلب موازين القوى في المستقبل القريب، حيث تشير الدراسة الى أن الاقتصاد العالمي في حال استمراره على نفس وتيرة النمو سيكون سبعة أضعاف وضعه الحالي في عام 2050م، وسيكون عدد سكان العالم وقتها 9 مليارات وستكون الزيادة متركزة في آسيا وأفريقيا يقابلها نقص في أوربا وثبات في أمريكا، وبالتالي فهي لعبة أرقام، حيث إن عدد السكان الكبير في الصين والهند على سبيل المثال سيفرز المهارات والقدرات العالية مقارنة بالأرقام الموجودة في أوربا وأمريكا. الخلاصة أن التميز في المستقبل سينحصر في التخصص الدقيق والعميق للقدرات والمهارات على حساب القدرات والمهارات العامة، لماذا؟ لأنه ببساطة هناك الآلاف بل من الممكن الملايين ممن يملك نفس المهارات والقدرات، ولذلك نحتاج إلى التخصص الدقيق على جميع المستويات العلمية فلا يكفي أن تكون خريج مالية أو اقتصاد، فالجميع لديه نفس التخصص ونفس المهارات، ولذلك التعمق في دراسة تخصص ما وفي موضوع محدد سيكون له الأثر الكبير لتحديد النجاح في المستقبل. فهل نستطيع أن نُعد جيل ممن هم في سن العاشرة الآن أو حتى حديثي الولادة ليتواءم مع التغيرات الكبيرة التي ستحدث بلا شك في السنوات القادمة والتي ستلعب التكنولوجيا فيها الدور الأكبر على صعيد الشركات والمؤسسات والمنظمات وحتى الأفراد؟ *الرئيس التنفيذي لشركة رأيك العقارية وأستاذ الإدارة والاقتصاد